والفتوى الثالثة: صدرت عن عالم من متأخري علماء تونس الشيخ محمد المختار بن محمود المفتي الحنفي – رحمه الله – وكان مدرسا بالكلية الزيتونية ويرأس تحرير المجلة الزيتونية العلمية وقد نشر بها دراسة قيمة تحت عنوان:
(حكم الله في المتجنس) بتاريخ ١٣٥٦ / ١٩٥٧ المجلد الأول ج ١٠ نقتطف منها بعض الفقرات:
... من المصائب التي ابتلي بها المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا فتنة التجنيس، لأنها ترجع إلى المساس بروح الدين الذي يضحي في سبيله المسلمون بكل عزيز ونفيس، وقد كان التجنيس مثار فتن كبرى واضطرابات متنوعة وسببا في تشتيت شمل بعض العائلات وإحداث الإحن والأحقاد بين الأخوة والأقارب.
يقوم شيخنا ابن محمود برد الله ثراه وجعل الجنة مأواه:
(وينبغي أن نضبط الموضوع بذكر صورة عقدة التجنيس لنبني عليها الأحكام) .
يكون الإنسان مسلما يعمل بالإسلام ويهتدي بهديه ويأتمر بما جاء به، فيتعلق غرضه بالانسلاخ عن الجنسية الإسلامية والعياذ بالله – لغرض أدبي سافل أو مادي زائل، فيعتنق جنسية دولة من الدول الأجنبية التي تدين بالمسيحية، ويصير كفرد من أفرادها، ويلتزم في عقدة التجنيس بالانسلاخ عن أحكام الشريعة الإسلامية، وعن العمل بمقتضاها، ويلتزم بالعمل بقوانين الدولة التي تجنس بجنسيتها، سواء في أحواله الشخصية أو في المعاملات أو في العقود والالتزامات، أو في جميع الجزئيات، فيكون بذلك قد نبذ الإسلام وانسلخ عنه، ودخل في الكفر راضيا مختارًا، ويترتب عن ذلك تغيير في أحواله من جميع النواحي، يطلق امرأته فيكون طلاقه غير نافذ، ويجبر على البقاء معها والإنفاق عليها، ويموت فتقسم تركته على غير الفريضة الشرعية ويصير مجبورا على التحاكم إلى غير قضاة الشرع.
وقبل أن يمضي على عقد التجنيس يكون عالما بجميع ذلك مطلعا عليه، فهذه هي عقدة التجنيس، ولا شك أن انتقال الإنسان من جنسيته الأصلية إلى جنسية أخرى هو اعتراف باحتقار جنسيته، وازدرائه بها، فهو كمن ينكر أباه لحقارته أو ينكر نسبه لوضاعته، أو بلاده لانحطاطها، والمتجنس يجني على وطنه بعمله الشنيع وانتحاله لجنسية أخرى.