أما ما يهمنا هنا: فهو ما حكم احتكام المسلم إلى محاكم غير إسلامية في بلاد كافرة؟ ثم الخضوع إلى أحكام الأحوال الشخصية بالأخص والتحكم فيها؟ والنزاعات التي تحدث بين المتخاصمين وموضوع اكتساب الجنسية الأجنبية والرضوخ لقوانينها والالتزام بالعمل بها؟ واخترنا لإيضاح هذا الموضوع فتاوى صدرت عن علماء جلة من أكابر علماء المسلمين قديما وحديثًا. وفي عرض هذه الفتاوى بيان يمهد الطريق وينير السبيل.
وأولى هذه الفتاوى فتوى صدرت حوالي ١٢٩٠ / ١٨٧٣ عن قاضي تونس وعالمها المرحوم محمد الطاهر النيفر المتوفى ١٣١١ / ١٨٩٣ في شأن قبول شهادة المقيم ببلاد الكفر عن اختيار وطواعية أو عدم قبول شهادته (نشر هذه الفتوى حفيده من جهة الأم المرحوم الأستاذ الطيب العنابي بمجلة القضاء والتشريع) .
يقول فيها:(إن من احتمى حماية دينية حتى يخلص بذلك من أحكام قضاة المسلمين هو كافر لا تقبل شهادته ولو كان متزيئا ًبزي المسلمين) .
وقد علق على هذه الفتوى الصديق العالم الأستاذ أحمد حماني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر بقوله: إن الذين تخلوا عن جنسيتهم ورفضوا الشريعة الإسلامية قد ارتدوا عن الإسلام وقد أفتى بذلك علماء الجزائر سنة ١٩٣٨.
هذا وقد أفتى شيخ الإسلام محمد بيرم الرابع – رحمه الله – بكفر من ينبذ الأحكام الشرعية ويلتزم أحكام الكفار، وكان ذلك جوابا عن رسالة وجهها إليه ملك البلاد أحمد باشا الأول في جمادى الأولى سنة ١٢٦٠ في شأن شهادة الشهود المقيمين بديار للكفر.
وهو يقول فيها: إذا كان حال الخروج عن ربقة الأحكام الشرعية ونبذها والتزام أحكام الكفار فذلك موجب للكفر.