للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاحتكام إلى المحاكم الأجنبية

هذا موضوع جدير بالدرس والعناية والمراجعة وأخذ القرار.

فالمسلم الخاضع لجنسية بلاده والذي يتمتع بحقوقه المدنية ويلتزم بما سنته له دساتير وطنه وحددته قوانينه قد يجد نفسه في يوم ما فريسة ضياع وضحية حيرة بسبب عمل ما قام به وساقه إلى هذا الضياع وتلك الحيرة.

فالهجرة إلى البلاد الأجنبية والإقامة بها والاستقرار هناك والالتحام مع شعوب لا تدين بدين الإسلام، وتخضع لقوانين وضعية تجافي المبادئ الإسلامية، مع وفرة المهاجرين من بلدان إسلامية إلى بلاد أوربا، كون مشكلة عويصة الحل اختلفت فيها الآراء وتطورت مع الزمن، حتى آلت إلى مكانة من الخطورة تستحق المراجعة السريعة والاحتكام إلى مبادئ الشريعة الإسلامية ورح الحضارات المنبثقة عنها.

فأبناؤنا المهاجرون للعمل في البلاد الأوروبية والآسيوية والأمريكية قد يجدون أرباحا مادية تغريهم بالإقامة هناك، والتزوج من الأجنبيات لاكتساب الجنسيات، ثم النزوح النهائي عن البلاد التي خرجوا منها، والبعد عن تعاليم دينهم وثوابت ومبادئ وقيم أوطانهم، والالتجاء عند التقاضي إلى الاحتكام إلى محاكم تقضي حتى في أحوالهم الشخصية، التي لها التصاق تام بدينهم وماضيهم، تقضي فيها بأحكام وقوانين وضعية تتعارض مع ذلكم الدين وذلكم الماضي وتتجافى مع المثل العليا التي وضعها لهم تشريعهم الإسلامي.

والعمل المضمون في بلاد الكفر وإن كان حلالا إلا أن البعض قد يندفع بإغراء المنافع والمصالح المادية إلى طلب التجنس بجنسية البلاد التي يقيم فيها، وهكذا تنقطع كل صلة له بوطنه وقومه وبلاده، ويصبح أبناؤه في انبتات وضياع حتى التلاشي التام، وتونس في نهضتها الحديث سعت إلى تلافي بعض تلكم المضار، فربطت الصلات وكونت الإذاعات المسموعة والمنظورة المشاهدة وكثفت من البعثات، وحرضت على تعلم العربية للبراعم الصغار، وجلبت الأنظار إلى الأوطان، وحببت الأبناء الصغار في أوطانهم ومدنهم وقراهم، وكونت رحلات تربط الحاضر بالماضي، وتشهد المجد التالد بهذه الحياة الجديدة المتقلبة الغربية في صورها وألوانها.

وقد ينفع هذا ويجنبنا الكارثة ويبعدنا عن الهاوية وهو عمل مشكور وجهد مبارك وسعي حميد يصد ويرد ويقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>