لذلك رأى المجلس أن يترك ذلك للفتوى بحسب ظروف الجهة المستفتية في الجواز الشرعي والله ولي التوفيق وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الإمضاء: عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس المجمع ومحمد أحمد قمر مقرره – ١هـ.
فهل يمكن اعتبار هذا القرار حاسما أم أنه إجراء للنظر إلى فرصة أخرى وهل حلت المشكلة إذا على مستوى الفتوى أم بقيت على حالها؟
والمجمع الفقهي الإسلامي كان ناقش هذا الموضوع نقاشا عميقا صريحا واضحا شارك فيه أفذاذ من علماء الإسلام وذلك في دورته المنعقدة بعمان عاصمة المملكة العربية الأردنية الهاشمية من ٨ صفر إلى ١٣ من سنة ١٤٠٧ الملاقي ١١ – ١٦ أكتوبر سنة ١٩٨٦.
وقد كلف المجمع ثلة من أعضائه ومستشاريه بدرس الموضوع والإجابة عنه فأدى هؤلاء الأمانة وقدموا تقاريرهم ودراساتهم واتحدت كلمتهم على نبذ كل متجنس أراد نبذ أحكام دينه والتجأ إلى أحكام البلاد الكافرة التي لبس جنسيتها.
وانتهى بعضهم إلى أن التجنيس بجنسية دولة غير إسلامية معصية لا تبلغ درجة الكفر إذا كان إقدام المتجنس على ذلك الفعل لتسوية أوضاعه المادية مع اقتناعه وإيمانه بأن الإسلام هو الدين الوحيد، وأنه يغضب لله من كل من يحاول النيل من الإسلام أو التطاول عليه، أما إذا كان أمر الدين عنده لا يوازي مصالحه، وأنه متهاون به لا يشعر برابطة بينه وبين دينه إلا برابطة تاريخية ضعيفة فلا شك حينئذ في ردته.
والمطالع للمناقشات بين أعضاء المجمع في جلساته يستنتج مدى الأهمية التي تخضع لها الحلول المعروضة لحل هذه المشكلة ومدى أهمية الدراسات المقدمة في الموضوع.
لكن المجمع أرجأ اتخاذ القرار في الموضوع إلى دورة أخرى لاحقة ولم يقع البت بصفة نهائية.
(انظروا مجلة المجمع الفقهي الإسلامي – الدورة الثالثة الجزء الثاني سنة ١٤٠٨ ففيها بسطة مفيدة جدا) .
التحكيم في الفقه الإسلامي
سوف نحاول هنا بإيجاز واقتضاب إعطاء صورة عن التحكيم الفقهي الإسلامي في كلياته ومحاوره الكبرى، ضاربين صفحا عن الجزئيات والشرح لأن ذلك له مراجع ومصادر يمكن الرجوع إليها، وقد أشرنا إلى بعضها لمن يريد التبسط والضبط والتدقيق. ونرغب هنا في بيان الأسس الموضوعة لهذا التحكيم حتى يتمكن الدارس من إجراء المقارنة بين هذا الأساس القويم وبين ما قنن وصنع بعد ذلك في العصور الحديثة مما وضعه الإنسان ونشير إليه في فصل آخر من هذه الدراسة.
يقول الإمام مالك رضي الله عنه: (إذا حكم رجل رجلا فحكمه ماض وإن رفع إلى قاض أمضاه إلا أن يكون جورا) .
ويقول سحنون: يمضيه إذا رآه صوابا وهو يشير بذلك إلى التنفيذ كيف يكون؟ وهل القاضي مجبر على تنفيذ ما صدر به حكم المحكم دون مراجعة منه أو نظر؟. ويقول ابن فرحون المالكي:
إذا حكم الخصمان بينهما رجلا وارتضياه لأن يقضي ويحكم بينهما فذلك جائز في الأموال وما في معناها (التبصرة لابن فرحون)
ويقول الونشريسي المالكي في المعيار: من لم يكن مقدما من إمام للقضاء فلا يحق له الحكم في شيء إلا ما تراضى عليه الخصمان بين يديه، وحكماه فيه، ولم يرجعا قبل نفاذ حكمه على خلاف هذا.
وجاء في كتاب التفريع لأبي القاسم عبيد الله بن الجلاب البصري المالكي المتوفى سنة ٢٧٨ هـ في تحكيم غير القاضي:
(إذا حكم الرجلان رجلا فحكم بينهما فرضى أحدهما بحكمه وسخط الآخر لزمه حكمه – إذا كان من أهل العلم – وحكم بما يجوز بين المسلمين سواء وافق قاضي البلد أو خالفه ما لم يخرج بحكمه عن إجماع أهل العلم) .