فإرادة الخصوم ورغبتهم هي التي تكون هيئة التحكيم وتنتخب أفرادها للفصل في النزاع، وهذه الإرادة هي التي تحرك النظام القانوني للتحكيم وتوضح معالمه وتحدد خطواته وعلى أساس هذه الإرادة وذلك الاتفاق يقع التحكيم وتنفذ قراراته، ولكن كل ذلك بشرط إعطاء الضوء الأخضر من القانون، ولا بد من وجود نص يجيز هذا التحكيم ويباركه ويسمح به في نطاق الشكل الذي تسمح به الإجراءات بصورة عامة.
وحكم المحكمين الذي توفرت أركانه وإجراءاته يعد حكمًا قانونيًا نافذًا رغم أنه صادر من أشخاص لم تكن لهم ولاية قضائية ذلك أن المقنن أراد ذلك احترامًا لإرادة الخصوم.
يقول أحد شراح القانون:
(التحكيم قضاء حقيقي يسعى إليه الأطراف بمحض إراداتهم ويطرحون نزاعهم على مجرد أشخاص عاديين ليفصلوا فيه.) .
وقد شرحت مجلة الأحكام العدلية في مادتها ١٨٤٢ موضوع التحكيم بقولها:
(هو عقد بين طرفين متنازعين يجعلان فيه برضائهما شخصًا آخر حاكمًا بينهما لفصل خصومتهما، وقد يكون بين أكثر من اثنين وقد يكون معينًا من قبل الخصوم أو من طرف القاضي، فكل من الطرفين المتنازعين محتكم والشخص الذي اختارا تحكيمه حكم (بفتحتين) أو محكم بضم الميم.
وسوف نشرح هنا المعطيات التي حددها القانون في هذا النطاق وبذلك نوضح السبل الموصلة إلى تحقيق هذا النظام الاستثنائي الذي سمحت به الإجراءات المدنية في نطاق مخصوص وتحت قيود وشروط خاصة.
التحكيم في الإجراءات المدنية
جاءت أحكام في مجلة المرافعات المدنية والتجارية والتونسية سابقًا قبل صدور مجلة التحكيم من الفصل ٢٥٨ حتى الفصل ٢٨٤ ثم صدرت مجلة التحكيم حسب القانون عدد ٤٢ في ٢٦ أبريل سنة ١٩٩٣ ونشرت بالرائد عدد ٣٣ لنفس العام.
وجاءت إجراءات التحكيم بقانون المرافعات المصري المادة ٨١٨ وما بعدها.
وكذلك بقانون المرافعات المدنية والتجارية الكويتي المادة ١٧٣ وما بعدها.
وسوف نتعرض بإيجاز تام إلى التحكيم في بعض هذه القوانين لنوضح أحكامه وشروطه وآثاره.
موضوعه:
يجوز الاتفاق على التحكيم في كل نزاع معين موجود كما يجوز اشتراط التحكيم فيما قد ينشأ من النزاعات المتعلقة بالالتزامات والمبادلات التجارية، والنزاعات بين الشركاء في شأن الشركة – المادة ٢٥٨ من مجلة المرافعات المدنية والتجارية، ومن هنا نفهم أن التحكيم نوعان: عقد التحكيم، واشتراط التحكيم في عقود الشركة.
أما العقد فهو الذي ينبرم عند حدوث المنازعة والخلاف فعلًا.
فإذا حدث الخلاف وصعب الوفاق فقد يعمد طرفا الخلاف إلى إبرام اتفاق بينهما يقتضي إقامة محكمين للنظر في هذا الخلاف وفضه بإصدار قرار ينهي الشقاق والنزاع ويلتزم الطرفان بتنفيذه.
أما القسم الآخر اشتراط التحكيم في صلب عقود الشركات: فإنه يقع ويتقرر عند التعاقد قبل نشوب أي خلاف بين أطراف العقد، فهم يسعون إلى فصل ما قد يحدث من خلافات بأسهل طريق وأيسره، وذلك بالالتجاء إلى نظام التحكيم الذي من شأنه أن يسرع بفصل النزاع وإنهاء الخصام ويحد من المصاريف والخسائر، وهو أخصر من التقاضي الاعتيادي حسب درجاته خاصة وأن التحكيم معين له أجل لإنهاء الخصومة.
وهذا التقسيم الذي تحدثنا عنه هو الذي تحدثت عنه المادة ٨١٨ من قانون المرافعات المصري:
يجوز للمتعاقدين أن يشترطوا بصفة عامة عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معين على محكمين.
(ويجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين) .
هذا التقسيم نجده في بقية قوانين المرافعات. فالمادة ١٧٣ من قانون المرافعات الكويتي تنص:
(يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين كما يجوز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين) .
وما دمنا نتحدث عن موضوع التحكيم بعد تعريفه نذكر أن بعض القوانين تحجر وتمنع التحكيم في بعض مواضيع منصوص عليها بالذات، فقد جاءت المادة ٢٥٩ من مجلة الإجراءات المدنية التونسية ناصة على منع التحكيم في الأمور المتعلقة بالنظام العام والجنسية وبالمسائل التي لا يجوز فيها الصلح.
وهذا ما أشارت إليه المادة ٨١٩ مرافعات مصرية.