وقد خلص أصحاب هذه الدراسة من الباحثين إلى أنه في داخل الدولة الإسلامية يجوز أن يحتكم غير المسلمين إلى حكم غير مسلم فيما أمرنا أن نتركهم وما يدينون، وذلك اعتمادًا على أن القضاء يمثل في ذلك صمامًا يحول دون الإجبار على حكم يخالف شرع الله.
الموضوع الثاني: احتكام المسلم إلى محاكم غير إسلامية في بلاد كافرة.
ممن تكلم في هذا الموضوع بإسهاب جميل الأستاذ عبد الله محمد عبد الله فقد رجع إلى كتاب (السير الكبير) لمحمد بن حسن الشيباني وخلص إلى نقاط أهمها: أن المسلم لم يمنع من رفع خصومته إلى السلطان الكافر في بلاد الكفر بدليل ما وقع للمسلمين الأوائل عند الهجرة إلى الحبشة، وأنه لو تغلب الكفار على المسلمين واضطر ولي الأمر إلى مهادنتهم على شروط فيها حط من شأن المسلمين كحق الفصل في الخصومات بين الكفار والمسلمين فإن ذلك جائز.
أما سائر البحوث بما في ذلك بحث العارض فقد تناولوا من محاور ثلاثة:
المحور الأول:
أنه لا يجوز التجاء المسلمين إلى محاكم غير إسلامية خارج الدولة الإسلامية إلا في حالة الضرورة وبقدر ما تمليه هذه الضرورة، وذلك أخذًا بما يراه جمهور الفقهاء. وقد سمى الباحث الدكتور محمد جبر الألفي ذلك نوعًا من التحكم الفاسد الذي ينفذ رغم فساده. وأشار الباحث العارض في هذا الشأن إلى عدم الاعتداد بما نسب إلى بعض فقهاء الأحناف من قبول حكم الذمي بين مسلم وذمي إذا كان الحكم لمصلحة الذمي بدعوى أن الذمي يصلح شاهدًا على غير المسلم ولا يصلح شاهدًا على المسلم، وذلك لأن هذا الحكم المنسوب إلى الحنفية محل اعتراض من سائر الفقهاء ولمخالفته الأدلة العديدة التي تمنع ولاية غير المسلم على المسلم، فضلًا على أن هذا الرأي يؤدي إلى حكم قلق غاية القلق إذ سينفذ أو لا ينفذ حسب درجة الخصم المحكوم ضده، فإن قضى على غير مسلم نفذ حكمه وإن قضى على مسلم لم ينفذ هذا الحكم ويعلل الدكتور عبد العزيز عثمان التويجري في بحثه عدم الجواز أن يكون الحكم غير مسلم في منازعات المسلمين بقوله: إن اشتراط أن يكون الحكم مسلمًا في المنازعات بين المسلمين لا يتعلق بعدم الثقة في غير المسلمين، فالإسلام يبيح التعامل الحر والثقة بين الناس على اختلاف مللهم، وإنما شرط إسلام الحكم تتعلق بحسن تطبيق الشريعة، إذ جرت العادة على ألا يكون غير المسلم على إلمام عميق بعلوم الشريعة نظرًا لطبيعتها الإيمانية.