هذا هو المحور الأول وهي القواعد المستخلصة من الفقه الإسلامي وقد جمعتها من مجموعة البحوث جميعًا، واكتفيت بتعليل أو بتأصيل ما احتاج إليه تأصيل – في نظري – من هذه القواعد:
المحور الثاني: وهذا عرضه يقتضي اختلافًا في العرض عن الأول – المحور الثاني: وسائل تطبيق التحكيم الإداري داخل المجتمع الإسلامي وطرق الاستفادة منه خارج هذا المجتمع.
وهذا الموضوع يتناول ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: احتكام غير المسلم داخل الدول الإسلامية.
النقطة الثانية: احتكام المسلم إلى محاكم غير إسلامية في بلاد كافرة.
النقطة الثالثة: التحكيم الدولي بين الدول والمؤسسات الدولية.
أما عن النقطة الأولى وهي احتكام غير المسلم في داخل الدولة الإسلامية، فقد ورد في عناصر الموضوع كما وضعتها الأمانة العامة للمجمع تحت بند ثامنًا:
احتكام غير المسلم إلى محاكم إسلامية في دول إسلامية، وقد فهم بعض الباحثين الأفاضل أن المقصود هو التساؤل عن حكم التجاء غير المسلم للقاضي المولى أو إلى الإمام، فاستعرضوا رأي المفسرين في تفسير قوله تعالى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}[المائدة: ٤٢] وأما إذا كانت منسوخة بقوله تعالى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}[المائدة: ٤٩] أو أن التخيير ما زال قائمًا. كما استعرضوا أيضًا آراء الفقهاء في ذلك. وممن نهج هذا النهج الأستاذ الدكتور عبد الله محمد عبد الله، الذي فصل الأقوال في المسألة تفصيلًا جميلًا، وأيضًا حجة الإسلام الشيخ التسخيري الذي اختار وجوب الحكم بينهم إذا ترافعوا للقاضي المسلم أو كانوا مختلفين في الملة، أو كان أحدهما حربيًا والآخر ذميا، كما اختار فضيلته أيضًا إقرار حكمهم إذا لجأوا إلى محكم منهم ثم رفع الأمر إلى القاضي فوجد أن الحكم عدلًا صحيحًا، أما إذا كان جورًا فلا يجوز إقرارهم عليه. وفصل الدكتور محمد جبر الألفي آراء المذاهب الأربعة في جواز الإعراض أو الحكم إذا ترافعوا إلى القاضي أو ترافع أحدهما فقط. وقد رأى جانب آخر من الباحثين ومنهم الباحث العارض ألا يخرج عن أحكام التحكيم إلى الأحكام الخاصة بالقضاء وآثر أن يهتم في هذا الصدد باحتكام غير المسلم إلى حكم غير مسلم داخل الدولة الإسلامية، وهو الأمر الذي يرى الأحناف جوازه بشرط ألا يكون الحَكَم أدنى درجة من المحتكم. وتأصيل هذا الحَكْم لدى هذا المذهب يمتاز بقوة الدليل العقلي الذي يخلص في:
١- إن غير المسلمين إذا تحاكموا إلى حكام من أهل دينهم فإنهم يلتزمون بما يحكمون به لالتزامهم له وليس لأنه لازم من الأصل.
٢- ولأن القضاء المولي يمثل صمام الأمان الذي يحول دون الإجبار على تنفيذ حكم ولا يتفق مع الشرع.
٣- ولأن السماح لمحكم غير مسلم بأن يتولى منازعات غير المسلمين جمع بين مقتضى قاعدة عدم ترك خصومة بها قاض في الإسلام، والقاعدة التي تمنح القاضي الحق في الإعراض عن خصومة غير المسلمين في الحالات التي يراها المالكية وغيرهم من فقهاء المذاهب الأخرى.