وهذا الموضوع هو الذي أشارت إليه عناصر الأمانة بقولها: تنفيذ حكم المحكمة مباشرة أو باتصال القضاء به. وفي بحث هذا العنصر نجد البحوث قد تناثرت في المواضع التي ذكرتها فيه، وقد رأيت أن أجمع شتاته مقام العرض على مسامعكم الكريمة، والقاعدة المستخلصة بشأنه تجمل في الآتي:
للقضاء على التحكيم حق الإشراف والرقابة فيجوز أن يخول القاضي الموالى الحق في تعيين الحكم إذا لم يختره الطرفان، أو حالت ظروف دون مباشرة مهمته وتشمل رقابة القضاء التحقق من رضاء الطرفين، وأهليتهما، وأهلية الحكم وعدم خروجه عما فوض إليه الحكم فيه، وعدم مخالفته شرع الله فيما حكم، ونقض حكمه إذا خالف فيما ليس فيه اجتهاد.
ويستند حق القضاء في الإشراف والرقابة على التحكيم – المشار إليه في هذا الاستخلاص – إلى عمادين أساسيين وذكرتهما البحوث، وهما:
أولهما: أن تنفيذ حكم التحكيم جبرًا لابد له من ولاية عامة، وهو ما يفتقده التحكيم بينما يوفره القضاء.
ثانيهما: أن منازعة التنفيذ لا تعدو أن تكون منازعة كسائر المنازعات التي يختص القضاء بالفصل فيها.
ويقتضي الإشراف أن يكون من حق القضاء إزالة العقاب التي تقوم سبيل تحكيم يصر أطرافه عليه، وذلك مثلًا بتعيين الحكم إذا لم يختره المحكمان، أو اختاراه وحالت ظروف دون مباشرته المهمة التي أوكلت إليه.
أما الرقابة القضائية فتتمثل في وجوب التحقق من سلامة الإجراءات وصحة الحكم قبل الأمر بالتنفيذ. فعلى القاضي أن يتحقق من رضاء الطرفين ومن أهليتهما، وأن يتحقق من قبول الحكم وأهليته، وأنه لم يخرج عما فوض إليه الحكم فيه، وأنه لم يخالف شرع الله فيما حكم، فإنه خالفه فيما ليس فيه اجتهاد وجب نقض الحكم أو الأمر بعدم تنفيذه إذ لا حجية في مخالفة الشرع ولا اجتهاد فيما لا يجوز الاجتهاد فيه. أما إذا كانت المخالفة فيما يجوز الاجتهاد فيه فالجمهور يرى أنه لا يجوز نقض الحكم ولو خالف اجتهاد القاضي، وذلك لأن الاجتهاد لا ينقض بمثله وإلا تتوالى نقض الأحكام وعز الاستقرار وغلبت الفوضى على نحو ما عبر به الإمام الغزالي في كتابه (المستصفى) .