ويتناول هذا الاستخلاص في شقه الأول تحديد نطاق التحكيم وهو يجنح في هذا الشأن نحو المالكية الذي يضعون معيارًا يمتاز بالمرونة ويتجاور مع متطلبات العصر الحاضر وهو معيار يلتقي – ولا أقول يتفق – مع ما أخذ به نظام التحكيم السعودي ونظام التحكيم الكويتي، كما أنه قريب من معايير النظام العام الذي تأخذ به أغلب الدول في العالم المعاصر. ثم هو من ناحية أخرى يدور داخل النطاق الذي يراه الغالبية العظمى من الفقهاء الإسلاميين بما في ذلك من يجيزون التحكيم في كل شيء كبعض الحنابلة فيما يرويه صاحب (كشاف القناع) أو بعض الشافعية فيما ينقله الشربيني الخطيب في (مغنى المحتاج) . أما الشق الثاني من الاستخلاص فيأخذ برأي الجمهور فيبطلان التحكيم إذا جرى فيما لا يجوز له أن يجري فيه، فهذا الرأي أقوى حجة من رأي المالكية الذين يقولون بإمضاء الحكم في هذه الحالة إن كان صوابًا فإن كان خطأ يترتب عليه إتلاف عضو فالدية على عاقلته، وإن ترتب عليه إتلاف مال كان ... للطرفين من شأنه أن يعلي عوامل الثقة على عوامل الكفاءة فيجيز الترخص في شروط الحكم مقارنة بشروط القاضي المولي، وذلك ما لم يصطدم هذا الترخص بالنص كشرط الإسلام في الحكومة بين المسلمين، أو بالعقل كشرط أن يكون المحكم عاقلًا مميزًا.
وشروط الحكم التي يشير إليها هذا الاستخلاص هي بحسب الأصل العام كشروط القاضي المولى غير أنه يترخص في بعض منها وفق ما يراه كثير من فقهاء المسلمين وذلك باعتبار أن الحكم يتم اختياره بإرادة الطرفين وبناء على ثقتهما فيه ليحكم في أمور حدداها له سلفًا، ولا يكون لحكمه أثر يتعدى إلى غيرهما، مما من شأن ذلك كله أن يعلي عوامل الثقة على عوامل الكفاءة يجبر رضاء الطرفين بعض ما قد يلحقه من نقص وتصح حكومته مع ما يعتورها من مثالب لو تحققت في القاضي المولى لم يصح قضاؤه. وتطبيقًا لذلك فإنه يجوز في المذهب الحنفي تحكيم الفاسق أو الجاهل الذي يستشير أو المرأة، وينفذ – على مذهب المالكية – تحكيم الأعمى أو الأخرس أو الأصم.