للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: الموضوع الثاني أو الأمر الثاني المستخلص من القواعد الفقهية: حكم العقد يستخلص من البحوث أن التحكيم عقد غير لازم بالنسبة للطرفين وبالنسبة للحكم، فيجوز لهم الرجوع فيه ما لم يشرع الحكم في التحكيم ويجوز للحكم أن يعزل نفسه ولو بعد قبوله ما دام لم يصدر حكمه، ولا يجوز له أن يستخلف غيره دون إذن لأن الرضاء ينصب على شخصه. وهذا الاستخلاص يتناول حالات ثلاث من الرجوع: الرجوع قبل التحكيم، الرجوع بعد صدور الحكم، والرجوع بعد الشروع في التحكيم وقبل الحكم.

ورجوع المتحكمين قبل التحكيم مبني على أن الإرادة معتبرة في أصله وتعتبر في لزومه، وهو قول الأئمة الأربعة ولم يخرج عنه إلا نفر قليل كابن الماجشون من المالكية. أما عدم جواز الرجوع بعد الحكم فلم يخرج عليه إلا بعض الشافعية بمقولة: (إن حكم المحكم إنما يلزم بالرضا وهو لا يكون إلا بعد معرفة حكمه) . أما عدم جواز الرجوع بعد الشروع في التحكيم فهو الرأي الراجح لدى المالكية والمشهور عند الحنابلة، والقول بغيره يجرد التحكيم من المقصود منه لأنه كما يقولون يؤدي إلى أن كل واحد من المتحاكمين إذا رأى من الحكم ما يوافقه رجع فبطل المقصود منه. أما عزل المحكم نفسه فجائز طالمًا لم يصدر حكمًا ولا يستطيع المحتكمون أن يحولوا بينه وبين هذا الانعزال بدعوى أن له حقًا مكتسبًا تولد بقبوله التحكيم ذلك أن انعزال الحكم كقاعدة عامة لا يضر بهم إذ هو يردهم إلى الطريق العادي لفض الخصومات والقضاء.

ثالثًا: من القواعد المستخلصة أيضًا ما يجري فيه التحكيم. والقاعدة المستخلصة من مجموعة البحوث هي أنه لا يجري التحكيم في كل ما هو حق لله تعالى كالحدود، ولا استلزم الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه من غير المتحاكمين ممن لا ولاية للحاكم عليهم كاللعان، ولا ما اقتضى عظم قدره وخطره أن يعهد به إلى القضاء المولي دون غيره. فإذا قضى الحكم فيما لا يجوز فيه التحكيم فحكمه باطل ولا ينفذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>