وفي اعتقادي أن اعتماد الحساب في دخول الشهور القمرية، إذا كان ناتجًا عن دراسة علمية صحيحة فهو لا يمكن أن يخالف الرؤية الصحيحة بحال من الأحوال لأن العلم الصحيح لا يناقض المبادئ العامة التي قام عليها الإسلام، ونصوصه التي تخص الرؤية بالذكر.
كما أعتقد أن هذا المجمع الفقهي المبارك الذي يضم خيرة من علماء العالم الإسلامي جدير بأن يعمق البحث في هذا الموضوع من جديد وأن ينظر إليه من جميع جوانبه حتى يجد الحلول المناسبة التي تتفق مع المبادئ الإسلامية وتتماشى مع روحه السمحة وتوحد الأمة الإسلامية في أعيادها وبداية شهورها، وهي أُمْنِيةٌ قلنا: إنه نادى بها كثيرون منذ زمن بعيد.
٢ - إنكار المتقدمين العمل بالحساب
وحججهم
فالمتمسكون بظاهر الرؤية في إثبات أوائل الشهور – ويعنون بها الرؤية البصرية - لا يعتمدون الحساب، لأنهم يعتقدون أن الحساب الفلكي ليس وسيلة قطعية، بل هو لم يصل عندهم حتى إلى مرتبة الظن، لأنه حدس وتخمين، وقد نهت الشريعة عن الخوض في "علم النجوم إذ حذر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأخذ بأحكام المنجم فقال فيما رواه أبو داود وابن ماجة: ((من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر)) .
وفي حديث آخر يقول:((من أتى كاهنًا أو منجمًا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)) ... أخرجه أبو داود في كتاب الطب.
ولأجل هذا نجد كثيرًا من المتقدمين في علم الفقه ينصون صراحة على عدم اعتماد حساب المنجمين.
أولًا: لأن التفرقة عندهم لم تكن واضحة بين "التنجيم" الذي هو ليس بعلم وإنما هو تطلع إلى الغيب، وبين "علم الفلك" الذي هو من العلوم الصحيحة التي لا يختلف الناس في قواعدها العامة ولكون عالم الفلك في القديم كان المتطلع إلى معرفة الغيب، ومن هذا الخلط شك الفقهاء في الحساب الفلكي الذي كان في الغالب من المنجمين.
ثانيًا: لأن علم الفلك لم يصل في القرون الإسلامية الأولى إلى درجة من النضج ولم تضح معالمه عند الناس حتى يتمكنوا من الاعتماد عليه في هذه القضايا الدينية.