للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي الفتاوى الهندية يقول: "وهل يرجع إلى قول أهل الخبرة العدول عمن يعرف علم النجوم؟ "الصحيح أنه لا يقبل ويقول في كتاب معراج الدراية: "ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه"..

وقال ابن عرفة: "لا أعلم أن مالكًا اعتبر قول المنجم".. وقال القاضي عبد الوهاب في كتابه الأشراف: "ولا عبرة بقول المنجمين في دخول وقت الصوم".

وفي الجزء الثاني من الدر المختار شرح تنوير الأبصار في باب الصوم (ص ٩٣) : قال محمد علاء الدين الحصكفي "لا عبرة بقول الموقتين ولو كانوا عدولًا على المذهب".

وقال ابن عابدين في حاشيته رد المحتار على الدر المختار في بيان قوله: ولا عبرة بقول الموقتين، أي في وجوب الصوم على الناس، بل في المعراج: لا يعتبر قولهم بالإجماع، ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه، وفي النهر: فلا يلزم بقول الموقتين أنه أي الهلال يكون في السماء ليلة كذا، وإن كانوا عدولًا في الصحيح كما في الإيضاح، ثم قال: ووجه ما قلناه أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية بقوله: ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا)) (الجزء الثاني صفحة ٩٣) .

ولهذا حصر الشيخ شمس الدين بن فرج المقدسي في شرحه الكبير على المقنع ثبوت رمضان بواحد من ثلاثة أشياء فقط، وكلها ترجع إلى الرؤية البصرية (ص ٤ من المجلد الثالث من كتاب المغني والشرح) فقال:

"وجملة ذلك أي صوم شهر رمضان يجب بأحد ثلاثة أشياء".

أحدها: رؤية هلال رمضان يجب بها الصوم إجماعًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) (متفق عليه) .

الثاني: كمال شعبان ثلاثين يومًا يجب به الصوم، لأنه يتقين به دخول شهر رمضان ولا نعلم فيه اختلافًا، ويستحب للناس ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان ليحتاطوا لصيامهم، وليسلموا من الاختلاف، وقد روى الترمذي عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أحصوا هلال شعبان لرمضان)) .

الثالث: أن يحول دون منظر ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر، يجب صيامه، في ظاهر المذهب.

ويقول ابن قدامة في كتابه المغني: "من بنى على قول المنجمين والحساب لم يصح صومه وإن كثرت إصابتهم، لأنه ليس بدليل شرعي، إنما الدليل قوله عليه الصلاة والسلام: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) .

وفي رواية ((لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه)) فأناط وجوب الصوم برؤية الهلال. وقد نقل الباجي في المنتقى، والقرطبي في الأحكام رواية عن ابن نافع عن مالك عن الإمام لا يصوم لرؤية الهلال ولا يفطر لرؤيته وإنما يصوم ويفطر على الحساب أنه لا يقتدى به ولا يتبع (١) .

وجاء في شرح مسلم للنووي نقلًا عن الماروزي: حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم ((فاقدروا له)) على أن المراد إكمال العدة ثلاثين كما فسر في حديث آخر، ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين، لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم، لأنه لا يعرفه إلا أفراد، والشهر إنما يعرف بما يعرفه جماهيرهم (٢) .

وحجة المتمسكين بإثبات الشهور القمرية بخصوص الرؤية البصرية هي أنهم اعتمدوا جملة نصوص من السنة، واعتبروا الرؤية أمرًا تعبديًا لا يمكن العدول عنها إلى الحساب بحال من الأحوال، لأن الشريعة الإسلامية ربطت اعتماد الأهلة في كل هذه النصوص بالرؤية البصرية وهذا يؤدي إلى حتمية الرؤية وعدم جواز العمل بالحساب، واستشهدوا بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له)) ، وفي رواية: ((فاقدروا له ثلاثين)) ، وفي رواية ((إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له)) وفي رواية ((إذا غم عليكم فصوموا ثلاثين يومًا)) .. وفي لفظ البخاري: ((الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) فلم يذكر صلى الله عليه وسلم علم الحساب ولا أقوال المنجمين والنصوص صريحة في اعتماد الرؤية.


(١) المنتقى ج٢- ص ٣٨، والجامع ج ٢ – ص ٢٩٣
(٢) شرح مسلم ج ٧ – ص ١٧٩

<<  <  ج: ص:  >  >>