للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحيث إن الإصابة بسبب تقصير الأطباء وفني المختبرات أحد الموضوعات اللازم بحثها في نوازل العصر ومستجداته فما هو حكم الشارع في ذلك؟

غاية العمل الطبي والمقصود منه هو حصول مصلحة حفظ الإنسان المرجوة ودفع مضرة الأمراض النازلة به، والشريعة الإسلامية عندما أباحت العمل الطبي بإباحته رجاء تحصيل هذه المصالح المرجوة، وتحصيلها لا يتم إلا بمطابقة العمل لأصول مهنة الطب، وحيث لم يطابق العمل الذي يقوم به الطبيب أصول مهنة الطب، فإنه لا يكون محققًا لتلك المصالح ومن ثم يبقى على أصله فعلًا محرمًا لا يجوز للطبيب ولا لغيره الإقدام عليه؛ لأن الأصل المقرر أن كل عمل قاصر عن تحصيل مقصوده لا يشرع (١) فكيف إذا كان يحقق نقيض المقصود؟ وحيث إن الأطباء بشر قد يتسببون في إتلاف الأنفس فقد شرع الله الزواجر لحماية الناس وهذه الزواجر تتمثل في الوعيد الشديد الذي يلحق بسبب تقصيرهم وإهمالهم واستخفافهم بأجساد الناس وأرواحهم، وذلك يتمثل بعقاب الله لهم في الآخرة كما يتمثل في الدنيا بما يترتب على أفعالهم من قصاص إن كان عمدًا، أو ضمان يلزمهم به القاضي إن كان خطأ (٢) .

قال الدكتور قيس بن المبارك: [لا يكون العمل الطبي مستوفيًا هذا الشرط بأن يحقق تلك المصلحة المرجوة وبدفع تلك المفسدة عن المريض إلا إذا كان موافقًا للأصول والقواعد العلمية المعتبرة عند أصحاب هذا الفن ذلك أن إقدام الطبيب على معالجة الناس والتصدي لجراحة أبدانهم على غير الأصول العلمية المعتبرة في علم الطب يحيل عمله من عمل مشروع ومندوب إليه إلى عمل محرم يعاقب عليه؛ لأنه أصبح عملًا عدوانيًا فهو أشبه بالجناية الصادرة من غير الطبيب] . ثم قال: وقد ذكر الدكتور أسامة فايد تعريفًا حسنًا لهذه الأصول فقال: [هي الأصول الثابتة والقواعد المتعارف عليها نظريًا وعمليا بين الأطباء والتي يجب أن يلم بها كل طبيب وقت قيامه بالعمل الطبي] (٣) .

وقد نص الفقهاء قديمًا على تقصير الأطباء ومن في حكمهم والأحكام المترتبة عليه، ومن ذلك ما قاله الشيخ خليل: [كطبيب جهل أو قصّر] . (٤) .. فجعل عليه الضمان بتقصيره وأي تقصير يساوي هذا التقصير الذي لا يحتاط فيه الطبيب والفني من وجود الفيروس المؤدي إلى هذا المرض القاتل.


(١) قيس مبارك، التداوي، والمسؤولية الطبية: ص ١٧٥
(٢) قيس بن مبارك، التداوي والمسؤولية الطبية: ص ١٣٣
(٣) قيس بن مبارك، التداوي والمسؤولية الطبية: ص ١٦٨
(٤) انظر الدردير، الشرح الكبير مع الحاشية الدسوقي: ٤ /٣١٦

<<  <  ج: ص:  >  >>