للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الأول

في الإجابة على احتمال انتقاله بالمعايشة والملامسة والتنفس

والاشتراك في المراحيض والأكل والشرب

واستعمال الأدوات المراحيض

وبناء على هذا نورد عدة أدلة موجبة لعزله ومنعه من التعليم مع غيره وفصله من العمل أو إيجاد فرصة عمل له بعيدة عن الاختلاط وكذا تعليم المرضى منفردين عن غيرهم ... ومما يمكن أن يستدل به على ذلك.

١- قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها)) . . . . (١) .

وفي هذا الحديث عدة معجزات اكتشفت بعد قرون طويلة منها أن هذا المرض ينتقل عن طريق الاستنشاق حيث يصل إلى الرئتين ومنها إلى البدن فيفسد البدن.

وفي الطب أن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملًا للميكروب ولم يظهر عليه أثر من آثار المرض فترة الحضانة – الفترة الزمنية التي تسبق ظهور الأعراض منذ دخول الميكروب الجسم – ولذلك أمر السليم بعدم الخروج من مكان الوباء؛ لأنه قد يكون حاملًا للمرض فيعرض الآخرين للخطر دون أن يشعر هو أو يشعر الآخرون ولذا جاء المنع شديدًا والوعيد مرعبًا مخفيًا (٢) ، في حديث: ((الفار من الطاعون كالفار من الزحف)) . . . .، وحديث: فما الطاعون؟ قال: ((غدة كغدة البعيرة، المقيم بها كالشهيد والفار منها كالفار من الزحف)) . . . . (٣) .

وشبيه بالطاعون كل وباء أو مرض ينتقل عن طريق الاستنشاق والمجالسة والمعايشة فيمنع السليم من الدخول إلى بلد الوباء كما يمنع المريض والسليم أيضًا من الخروج منها خشية أن يكون حاملًا للمرض ولم تظهر عليه أعراضه ويعدي غيره.

٢- قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يورد ممرض على مصح)) . . . . (٤) .

وفي هذا الحديث منع صاحب الماشية المراض من الورود على صاحب الماشية الصحيحة خشية انتقال العدوى.

٣- ثبت أنه كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنا قد بايعناك فارجع)) . . . . (٥) فهذا المجذوم قد أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم بالبيعة ولم يأذن بدخوله على الناس، وعمر أخرج المجذومة من المطاف وهذا هو الحجر الصحي بأجلى معانيه وأوضح صوره يتضح من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده فكل مرض يشابه الطاعون والجرب في وسائل انتقاله يأخذ حكمه، وحيث إن مرض الإيدز معد ينتقل من المرضى إلى الأصحاء ولم يتم بعد الحسم في انتقاله عن طريق المعايشة، فأرى أنه يجب عزل المريض وإبعاده، عن الأصحاء ولو بإقامة محاجر صحية خاصة كمحاجر المجذومين ومرضى السل والأوبئة الأخرى كسائر الأمراض المحجرية (٦) .


(١) البخاري، الجامع الصحيح، مع فتح الباري: ١٠ / ١٧٨ – ١٧٩؛ ومسلم الجامع الصحيح، مع شرح النووي: ١٤ / ٢٠٦
(٢) محمد البار، العدوي بين الطب وحديث المصطفى: ص ٧٣
(٣) أحمد بن حنبل، المسند: ٦ / ٨٢، ١٤٥، ٢٥٥
(٤) البخاري، الجامع الصحيح مع فتح الباري: ١٠ / ٢٤١؛ ومسلم الجامع الصحيح مع شرح النووي: ١٤/ ٢١٥ – ٢١٦
(٥) مسلم، الصحيح مع شرح النووي: ١٤ / ٢٨٨
(٦) ذكر الأطباء الذين التقيت بهم في المؤتمرات والندوات العلمية أن المرض لا ينتقل بالمعايشة في وقتنا الحاضر، وأن أبدوا تخوفًا من قدرة بعض الفيروسات والجراثيم على المقاومة للأدوية والمضادات والتغير في وسائل الانتقال. والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>