وقال في موضع آخر:"الواجب على القاضي النظر في حال الشهود تحقق عدالتهم وتيقظهم وبراءتهم من الريبة والتهمة، وسلامة حواسهم، وحدة نظرهم، وسلامة الأفق ومحل الهلال مما يشوش الرؤية، ومعرفة منزلة الهلال التي يطلع فيها، وما يقتضيه الحساب من إمكان رؤيته وعدمها، فإن المشهود به شرطه الإمكان، فإذا دل الحساب على عدم إمكان الرؤية وأخبر مخبر برؤيتها، فالخبر يحتمل الصدق والكذب، والكذب يحتمل التعمد الغلط، ولكل منهما أسباب لا تنحصر.
فليس من الرشد قبول الخبر المحتمل لذلك، أو الشهادة به مع عدم الإمكان، لأن الشرع لا يأتي بالمستحيلات، وهذه المسألة لم نجدها مسطورة فتفقهنا فيها ورأينا فيها عدم قبول الشهادة.
ومن العلماء من لا يقتصر على الرؤية البصرية، لإثبات الشهر، مثل العلامة المرحوم الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في بحث له، بعنوان: يسألونك عن الأهلة: نشر في مجلة الهداية التونسية بتاريخ جويلية ١٩٧٤، ونشر كذلك في مجلة الأصالة الجزائرية قال: "ولمعرفتنا وجود الهلال عقب المحاق في علم الله طرق:
أولها: رؤيته بالبصر، رؤية لا ريبة تتطرقها، وهذا الطريق حسي ضروري ولا خلاف في العمل به.
ثانيها: مرور ثلاثين ليلة من وقت استهلالك الهلال الذي سبقه، وهذا الطريق قطعي تجريبي، وهذا لا خلاف فيه بين الأئمة.
ثالثها: دلالة الحساب الذي يضبطه المنجمون، أعني العالمين بسير النجوم علمًا لا يتطرق قواعده شك، وحسابًا تحققت سلامته من الغلط، وذلك هو ما يسمى بالتقويم.