للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- الرأي الفقهي:

يعرف جمهور الفقهاء مرض الموت بأنه المرض المخوف الذي يتصل بالموت، ولو لم يكن الموت بسببه (١) ، فهم يشترطون لتحققه أمرين:

أحدهما: أن يكون مخوفًا، أي غلب الهلاك منه عادة أو يكثر.

فقد جاء بالفتاوى الهندية: وحد مرض الموت تكلموا فيه، والمختار للفتوى أنه إن كان يغلب منه الموت كان مرض موت، سواء أكان صاحب فراش أم لا (٢) .

وقال النووي: المرض المخوف هو الذي يخاف منه الموت لكثرة من يموت به (٣) .

ومن الضروري في زماننا هذا مع تقدم علم الطب أن يرجع إلى الأطباء والخبراء في طبيعة الأمراض لمعرفة كون المرض مخوفًا أو غير مخوف، على أن يكونوا عدولًا، لأن قولهم فيه من قبيل الشهادة على أموال المسلمين وحقوقهم.

وإنما اشترط الفقهاء اجتماع هذين الوضعين لتحقق مرض الموت، لأن وجود هاتين العلاقتين يدل على أن المريض في حالة نفسية يستشعر دنو أجله، مما قد يبعثه على إبرام تصرفات قد تضر بحقوق دائنيه وورثته.

وهذا هو السبب في تقييد الشارع لتصرفاته التي تمس حقوقهما، وجعله أحكامًا خاصة لتلك التصرفات بحسب نوعها، وما ينتج عنه من آثار.

التكييف الفقهي لمرض الموت:

يرى الأحناف في تكييف هذا المرض أنه أحد العوارض التي تطرأ على الأهلية، فتسبب تقييد تصرفات المريض بما لا يضر بحقوق الآخرين مع بقاء أهليته بالنسبة لحقوق الله أو حقوق العباد.

ونظرًا لكون مرض الموت سببًا لتعلق حق الوارث والغريم بالمال، كان من أسباب حجر المريض عن التبرعات بالقدر الذي يحفظ حق الوارث والغريم.

وبناء على ما تقدم، وعلى ما عرف طبيًا عن مرض الإيدز بأن العدوى به في الجسم تمر بمراحل، من أهمها مرحلة الكمون، وهي من فترة دخول الفيروس في الجسم إلى أن تظهر أعراض المرض المميزة له، وتستغرق هذه المرحلة فترة قد تمتد إلى عدة سنوات يكون فيها المصاب بالعدوى عاديًا في تصرفاته، وفي المراحل المتأخرة من العدوى يحدث في ما يقرب من ثلث المرض تغيرات سلوكية مصحوبة بالخرف.

ولهذا فإن مرض الإيدز لا يعد مرض موت شرعًا إلا إذا اكتملت أعراضه وأدى بالمريض إلى الخرف أو أقعده عن ممارسة الحياة اليومية واتصل بالموت.


(١) الأم للشافعي: ٤ / ٣٥؛ مغني المحتاج: ٣ / ٥٠
(٢) ٤٠ / ١٧٦
(٣) تحرير ألفاظ التنبيه ٢٤١

<<  <  ج: ص:  >  >>