يبدو أننا لم نظفر إلى الآن بنتائج إيجابية للتقريب بين الذين يجيزون العمل بالحساب وبين الذين يقصرون ثبوت الشهر على الرؤية البصرية وحدها.
فالفريق الأول يقيد العمل بالحساب بشرط أن يكون الحاسبون جماعة من المسلمين موثوقًا في دينهم وعلمهم وأن يكون حسابهم متماشيًا مع القواعد الشرعية وأن يكون مؤيدًا بحسابات المراصد الفلكية العالمية وعندما تتوفر هذه الشروط يعتبر الحساب وسيلة ثانية من وسائل الإثبات فتكون عند المسلمين وسيلتان لا وسيلة واحدة الرؤية والحساب، لاسيما وأن علم الهيئة أصبح من العلوم الصحيحة أقرته الأمة الإسلامية وقررت تدريسه في جامعاتها وأيقن عموم الناس أنه على أساس هذا العلم وغيره من العلوم الصحيحة تسير الطائرات وتطلق الأقمار الاصطناعية ومراكب الفضاء.
وتمكن الإنسان من الصعود إلى القمر والنزول على سطحه والقرآن الكريم يبين أن حكمة الله اقتضت أن نظام الكواكب والأفلاك إنما يسير بحساب معين لا يختلف.
وإذا تمكنت المؤتمرات والندوات الإسلامية التي انعقدت حتى الآن أن تقيد عمل الحاسبين، وأن تضبط الرؤية المرادة شرعًا، وأن تقيدها بقيود اتفق عليها علماء الشريعة والفلك، وبرزت بصيغة قرارات كانت جميعها متكاملة روعي فيها جانب النص كما روعي فيها جانب المصلحة، وكانت غايتها جمع المسلمين وتوحيد أعيادهم ومواسمهم.
فإن هذه المؤتمرات لم تتمكن من جانب آخر من إقناع القائلين بانفراد الرؤية البصرية دون الحساب في إثبات الشهور لأن الرؤية عندهم أمر تعبدي لا يمكن أن يطرأ عليها أي تغيير، فالأحكام أبدية والأسباب والشروط والموانع هي كذلك أبدية من وضع إلهي، فما أثبت واجبًا يبقى كذلك وما أثبت ممنوعًا يبقى كذلك أيضًا.
وقد ثبت أن الرؤية سبب شرعي للصوم والإفطار لتبق كذلك منظورًا إليها نظر الأصول الثابتة لا أن يتحيل على إلغائها باعتماد الحساب الفلكي مناطًا مستقلًا، وبالتالي الاعتماد على التقاويم في جميع الشهور.
إن الذي يقول بذلك هو حاكم على الرؤية البصرية بالنسخ، وهو في الآن نفسه منتقص للدين الذي يجب أن يعتقد أنه كامل بالرؤية بالعين وغاية ما أنيط به الحكم، وسبب لوجوده، فلا يتحقق دخول الشهر إلا بها، وكل النصوص الواردة تنص على وجوب الصوم بالرؤية البصرية فلا موجب لتأويلها.