القول الأول: لا زكاة في الدين مطلقًا لا على الدائن ولا على المدين حتى ولو كان الدين على ثقة مليء، ونسب هذا القول إلى عكرمة وعطاء وعائشة وإبراهيم والحكم بن عتيبة وابن عمر، ونقل الذين نسبوا إلى هؤلاء الفقهاء نقلوا عنهم أقوالًا تؤيد ما نسبوه إليهم. فأبو عبيد وابن حزم نقلا عن عكرمة قوله: ليس في الدين زكاة، وروى أيضًا عن عطاء أنه قال: لا يزكى الذي عليه الدين ولا يزكيه صاحبه حتى يقبضه. وروى ابن حزم عن عائشة قولها "ليس في الدين زكاة" وقال ابن قدامة "روى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "ليس في الدين زكاة" وقد لاحظت فيما نقل عن عطاء أنه ورد في بعضها: لا يزكيه صاحبه حتى يقبضه. هذه العبارة ينبغي حملها على أنه يزكيه بعد قبضه لما يستقبل لا لما مضى لأنه سيأتي قول به: إن الدين يزكى لما مضى. وهذا لكي تتفق الروايات في المنقول عن عطاء. واستدل لهذا الرأي بأن الملك فيه ناقص وبأنه مال غير نام فلا تجب فيه زكاة كعروض القنية، هذا هو القول الأول ويبدو لي على الرغم من عظمة القائلين به، أنه سيؤدي إلى أن يكون لنا مال يبلغ النصاب وليس فيه زكاة مطلقًا. هذا وجه الضعف فيه.
القول الثاني: أنه يزكيه المدين ولا يزكيه الدائن، وهذا القول ذكره أبو عبيد ضمن خمسة أوجه، ونسبه إلى إبراهيم وعطاء. وروى عنهما قولهما: في الدين الذي ينقله صاحبه ويحبسه زكاته على الذي يأكل مهنأة، وواضح أن هذا القول الذي نقله لا يؤدي إلى القول بأن الزكاة على المدين هي زكاة على المدين المماطل وهذا قد يكون له وجه! ابن حزم أيضًا ذكر هذا القول منسوبًا إلى عطاء وإبراهيم أيضًا. وفي رأيي أن نسبة هذا القول إلى إبراهيم وعطاء نسبة غير دقيقة لأن ما روي عنهما يدل على أنهما يريان أن المدين الذي يزكي الدين هو المدين المماطل، وليس كل مدين، وكذلك نسب هذا الرأي إلى عمر، والواقع في رواية أخرى نذكرها عن عمر روايتين متعارضتين ولم يذكر من أورد هذا الرأي دليلًا عليه. والذي يترجح عندي أن هذا الرأي لا نسبة له إلى أحد من الصحابة والتابعين بحسب ما فهمته من الأقوال المسندة إليهم.