لا بد أن نذكر هنا أن أي حل لبداية الشهور العربية يجب أن يتوافق مع الشريعة الإسلامية السمحة، وأننا عندنا نتبنى الرأي القائل بجواز الاعتماد على الحسابات الفلكية ليس معناه تعليق الحكم في الصوم وغيره بهذا الحساب أصلًا بل إننا نقول بأن حكم الشريعة باعتماد الرؤية البصرية باق إلى يوم الدين، علمًا بأنه هو الأصل، ذلك لأن الشرع الإسلامي لا يمكن أن يربط حكمًا شرعيًا بأمور تتوقف على علم قد يوجد وقد لا يوجد وقد نفقد قواعده وعلماءه يومًا ما، وإنما مرادنا بإمكان الاعتماد على الحساب الفلكي اليوم، هو أنه جائز ولا مانع شرعًا بعد أن وصل علم الفلك إلى ما وصل إليه من الدقة المدهشة واليقين المدعم بالشواهد والبراهين، وبذلك فنحن نعتقد بأن الحسابات الفلكية تحقق ما تحققه الرؤية بصورة أيسر وأبعد عن الخطأ مع بقاء الرؤية هي الأصل، بمعنى أنه إذا فقد هذا العلم بقيت الرؤية مستندًا في الحكم، وقد بنينا هذا الرأي على الأسس الآتية:
١- أن العالم الإسلامي بأسره اليوم يأخذ بالحسابات الفلكية في الصلاة والتي هي ثاني ركن من أركان الإسلام بعد الشهادة، ولا أحد يذهب ليرى هل ظهر الشفق؟ أو هل زال الظل؟ أو هل أصبح طول الظل ضعف طول الجسم الأصلي؟ بل ولا أحد ينظر هل غابت الشمس ليعلن دخول وقت المغرب؟ بل إن الجميع ينظر إلى التقويم ويأخذ منه الوقت وهذا محسوب بالحسابات الفلكية التي تحقق الأحكام الشرعية الأصلية في المواقيت، أما من لا تتوفر لديه تلك التقاويم يعود ويطبق تلك الأحكام.
٢- أن الكثير من نصوص القرآن الكريم تدعو الناس للتفكر في خلق الله تعالى وبالأخص للتفكر في الكون فقال تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} وقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} فهذه الآيات تدل على أن حركة الأفلاك حركة دقيقة ثابتة لا تختلف عبر العصور فهي تسير على نسق منتظم، فكان انتظار دوران القمر والأرض حول الشمس سبيلًا لتحديد السنوات، والحساب، وجاء أيضًا في القرآن الكريم {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وفسر البعض "شهد" على أنها علم، أي علم بحلول الشهر.