للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جهة أخرى فإن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أتت بعدة صور وروايات وقد استنبط بعض العلماء إمكانية الرخصة ومما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:

((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) وفي رواية ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يومًا)) وفي رواية ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وإن غم عليكم فاقدروا له)) .

ففي الرواية الأخيرة ((فاقدروا له)) وأحد صور التقدير تكون بالحساب وكانت الرؤية البصرية مطلوبة في ذلك الحين لعدم توفر الحسابات الفلكية حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا..)) إلى نهاية الحديث، وربط الكتابة والحساب بالشهور دليلًا على إمكانية استخدام الحساب في تحديد الشهور إذا توفر ذلك العلم، وأن الرؤية البصرية خاصة بتلك الفترات التي لا يتوفر بها علم الحساب والله أعلم.

٣- لقد كان لعامة سكان الجزيرة العربية خبرة ودراية في الكواكب والنجوم والقمر حيث كان الاعتماد كبيرًا عليها لمعرفة الاتجاهات والوقت والشهور، وكذلك كان الجو خاليًا من الملوثات التي تمنع الرؤية كالدخان والإضاءة العالية، ولكن في زمننا هذا فإن عامة الناس لا يعرفون إلا القليل عن القمر والكواكب والنجوم وحتى المهتم منهم في هذا العلم لا بد له من السفر بعيدًا عن إضاءة المدينة ودخانها حتى يتسنى له رؤية السماء بوضوح، ولذلك نرى الاختلافات الكثيرة التي تحصل بين البلدان عند تحديد بداية الشهور والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى عدة أيام.

٤- من المعلوم أن الأحكام الدينية تنقسم إلى قسمين هما: المقاصد، والوسائل، فصوم رمضان، والإفطار في أول يوم من شوال، والوقوف بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة يمثل المقاصد، أما تثبيت المناهج والأصول المتعلقة بتحديد أوقات هذه العبادات تمثل الوسائل، وأن الأحكام الدينية التي تمثل الوسائل يمكن أن تتبدل بتبدل الأزمان والأحوال لأنها ليست مقاصد بالذات بل هي وسائل للوصول للغايات المقصودة، قال الفقهاء: "إن الأحكام الشرعية ترتبط بالعلل والأسباب فإذا ما ثبتت العلة ثبت الحكم وإذا زالت زال الحكم تبعًا لها".

والأمثلة على ذلك كثيرة، فعلى سبيل المثال نذكر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تكتبوا عني شيئًا غير القرآن فمن كتب شيئًا غير القرآن فليمحه)) وذلك خوفًا منه صلى الله عليه وسلم أن تختلط الأحاديث بالقرآن الكريم، وعندما دونت المصاحف وانتشرت زالت الأسباب المانعة من كتابة الأحاديث، فأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز بتدوين السنة، بل واعتبر كتابة الأحاديث واجبة لصونها من الضياع، فالأحكام التي تبنى على سبب خاص وتقوم على حالة معينة تزول لسبب وتستمر بدوام السبب والعلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>