ومن تسخيره تعالى ما في الأرض لمصلحة الإنسان تمكينه له من الحيوانات المختلفة التي تشاركه الوجود على ظهر هذا الكوكب المظلم، سواء ما كان منها على أديم اليابسة أو ما كان في أعماق البحار والمحيطات، أو ما كان يسبح في الفضاء طيراناً، وسواء ما كان منها صغير الحجم أو ضعيف القوة، وما كان عظيم الجسم قوي البنية مهيب السطوة، فإن سيطرة الإنسان عليها جميعا سيطرة غالبة وذلك بما منحه الله عز وجل من ملكات العقل ووسائل التدبير.
وقد جعل الله تعالى منافعها متفاوتة بحسب حاجة الإنسان إليها، وكيفية استغلاله لها، ومن بينها منفعة الغذاء الذي جعله الله قواما للأبدان، وهنا تتجلى وسطية الإسلام بين الإفراط والتفريط اللذين لا ينفك عنهما غيره من الأديان والأفكار والنظم، فهو يباين الديانة البرهمية التي تحرم على أتباعها أكل ذوات الأرواح جميعا، كما يباين المذهب الإباحي الذي لا يتقيد في ذلك بقيد ولا يقف عند حد، إذ الإسلام إنما يبيح الطيب دون الخبيث والنافع دون الضار، فلذلك أحل منها ما أحل وحرم منها ما حرم بحسب ما تقتضيه الحكمة الربانية من تحقيق منفعة العباد وتجنيبهم كل ما هو ضار.
على أن ما أباحه الإسلام من أجناس الحيوانات لم يكل إلى الإنسان إزهاق روحه بأي كيفية كانت، وإنما شرع لذلك أحكاما وحد حدودا تتلاءم مع الفطرة وتتواءم مع دواعي الرحمة التي تتدفق بها مشاعر الإنسان السليم، وبهذا ارتفع الإنسان عن دركات السبع الفتاك الذي يعدو على البهيمة فيفري أديمها ويمزع أشلاءها ويلتهم لحمها ولو لم تفارق الحياة جسمها، ويظهر ذلك جليا فيما أتى به الإسلام من أحكام الذكاة الشرعية التي فيها الرفق بالحيوان والسمو بالإنسان، كما تتحقق بها المصلحة وتندرئ بها المفسدة, وبما أن كثيرا من الأحكام المتعلقة بالذكاة اختلفت فيها أفهام أهل العلم فصارت موضع أخذ وردٍّ بين فقهاء الأمة رأى مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن المؤتمر الإسلامي ممثلا في شخص أمينة العام صاحب الفضيلة معالي الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة- حفظه الله- بحث بعض الموضوعات المتعلقة بذلك، وقد تكرم فضيلته فوجه إلي دعوة للمشاركة ببحث في ذلك بعنوان:(الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة) . وهو ينقسم حسب توجيه فضيلته إلى ثلاثة محاور:
المحور الأول: التذكية الشرعية شروطها وأحكام مخالفتها مما وقع إزهاق الروح فيه بالطرق الحديثة.
المحور الثاني: حكم ما جهل إسلام ذابحه مما حل أكل لحمه.