وهذا لا ينافي كون هذه الأقوال كلها لها وجه من النظر، ونجد في شرح النيل توجيها منصفا لغالب هذه الأقوال عندما قال الشارح:"فإن قلت كيف القول بإجزاء قطع أحدهما- أي الودجين- مع الحلق والحلقوم؟ قلت: لعله ساغ لهم الخلاف مع أن ذلك مأمور به في الحديث من حيث حمل الحديث على الإرشاد إلى المصلحة، والرفق بالدابة فإنه يسهل موتها بجميع ذلك ويسرع، ولم يحملوه كله على الوجوب، فمن أوجب قطع الحلق والحلقوم فقط اعتبر قطع النفس والأكل والشرب، وهن مادة الحياة فلا تصح الحياة مع عدمهن، ومن أوجب قطع الودجين فقط اعتبر أن تلك المجاري الثلاثة تنسد بقطعهما، ومن أوجب قطع الحلق والحلقوم وأحد الودجين جمع بين ذلك، ومن أوجب الكل راعى ظاهر الحديث، وهو الراجح, وقد يوجه أيضا القول باغتفار بقاء ودج واحد مع قطع الحلق والحلقوم والودج الآخر باعتبارها الأكثر وإلغاء الأقل واعتبار أنه لا حكم للأقل ". (١)
هذا وقد شرع الذبح فيما لا ينحر كالغنم والطيور والأرانب، وما كان مقدورا عليه من أشباهها في الحيوانات الوحشية، واختلف فيما هو الأفضل في البقر، فرجحت طائفة الذبح لقوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً}[البقرة: ٦٧] ، وهو وإن كان خطابا موجها إلى من قبلنا إلا أنه محكي لنا على أن مشروعية التذكية في كل أمة من الأمم المخاطبة بشرع تتفق مع طبيعة المذكى، فلا ينبغي أن يكون في ذلك فرق بين أمة وأخرى. ورجحت طائفة أخرى النحر؛ لحديث جابر رضي الله عنه أنه قال:((نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة))