للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١) وهو يدل على أن كلا من الإبل والبقر ينحر، ورد بأن ذلك جرى مجرى المألوف في كلام العرب عندما يعطفون خبرا على خبر مع تفاوت المعطوف والمعطوف عليه، بحيث يتعذر أو يبعد أن يكونا على وتيرة واحدة، وذلك أنهم يقدرون قبل المعطوف ما يتلاءم معه كما في قول الشاعر:

ولقيت زوجك في الوغى متقلدا سيفاً ورمحاً

فإنهم قدروا ومعتقلا رمحا، لأن الرمح لا يتقلد، وقول الآخر:

علفتها تبنا وماء باردًا.

فإنهم قدروا وسقيتها ماء، لأن الماء لا يعلف وإنما يسقى، فكذلك يقدر في حديث جابر: وذبحنا البقر. ونسب ذلك الكاساني إلى عامة العلماء (٢) إلا أن قفي رواية للدارمي فعن أبي الزبير عن جابر جاءت بلفظ: "نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البقرة عن سبعة". وهي لا يتأتى معها ذلك التأويل (٣)

والذبح أنسب بطبيعة البقر لقصر أعناقها بخلاف الإبل، وقد أوضح حكمة هذا التفاوت العلامة القرافي فقال: "وأصل ذلك أن المقصود بالذكاة الفصل بين الحرام الذي هو الفضلات المستقذرة وبين اللحم الحلال بأسهل الطرق على الحيوان، فما طالت عنقه كالإبل فنحره أسهل لزهوق روحه لقربه من الجسد وبُعد الذبح منه، والذبح في الغنم أسهل عليها لقربه من الجسد والرأس معا، ولما توسطت البقر بين النوعين جاز الأمران، وأشكل على هذه القاعدة النعامة، ففي الجواهر أنها تذبح -ولم يحك خلافًا - مع طول عنقها، ولعل الفرق بينها وبين الإبل أن نحرها ممكن من جوفها، فنحرها شق لجوفها (٤)

والظاهر أن عدم الخلاف في ذلك إنما هو في المذهب المالكي، وإلا فقد صرح الحنفية بنحر ما كان طويل الرقبة من الطيور كالوز والنعام (٥)


(١) رواه الدارمي في سننه في كتاب الأضاحي، باب البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة، من طريق جابر رضي الله عنه، بلفظ نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البقرة عن سبعة.
(٢) بدائع الصنائع: ٦/ ٢٧٦٦؛ وانظر كذلك شرح النيل: ٤/ ٤٣٠، ٤٣١
(٣) رواه الدارمي في سننه في كتاب الأضاحي في باب (٥) البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة
(٤) القرافي، الذخيرة: ٤/ ١٣٢
(٥) د. عبد الله عبد الرحيم العبادي، الذبائح في الشريعة الإسلامية، ص ٤٤، نقلا عن حاشية ابن عابدين: ٦/ ٣٠٣

<<  <  ج: ص:  >  >>