للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يعني أن العدول عن هذه التذكية الشرعية إلى أي طريقة أخرى في إزهاق روح الحيوان تجعله ميتة غير حلال الأكل، وأما ما رواه أحمد وأصحاب السنن عن أبي العشراء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ فقال: ((لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك)) . فهي رواية متروكة لا عمل بها عند الأمة، وناهيكم أن الإجماع انعقد على خلافها، كما نص على ذلك كلام ابن قدامة السالف وغيره من الفقهاء، وأبو العشراء هذا مجهول يروي عن جهول، قال أحمد: أبو العشراء هذا ليس بمعروف (١) ،وقال الخطابي: " وضعفوا هذا الحديث لأنه رواية مجهول " (٢) وقال الحافظ في التلخيص: "قد تفرد حماد بن سلمة بالرواية عنه على الصحيح ولا يعرف حاله " (٣)

ولا يشك عاقل أن الخير في الاتباع لا في الابتداع، وأن خير العباد فيما أمرهم به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: ٣٦] ولا مساغ للاجتهاد مع النص أو الإجماع، وقد تبين لنا باستقراء الأدلة الشرعية أن التذكية من أمور العبادات التي لا يسوغ فيها العدول عما شرع فيها، ولا تجاوز حدودها التي رسمت.

غير أنا رأينا العلامة السيد محمد رشيد رضا يجنح في تفسيره المنار إلى أن الذكاة ليست من العبادات، ويومئ إلى أنه يسوغ للناس أن يعدلوا فيها إلى الوسائل المستجدة في إزهاق الروح، لأنها أسهل مما هو معهود من قبل، وهذا نص كلامه:


(١) المغني: ٤٤/١١
(٢) الخطابي، معالم السنن: ٤/ ١١٧
(٣) التلخيص:١٣٤/ ٤

<<  <  ج: ص:  >  >>