للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ولما كانت التذكية المعتادة في الغالب لصغار الحيوانات المقدور عليها هي الذبح، كثر التعبير به فجعله الفقهاء هو الأصل وظنوا أنه مقصود بالذات لمعنى فيه، فعلل بعضهم مشروعية الذبح بأنه يخرج الدم من البدن الذي يضر بقاؤه فيه لما فيه من الرطوبات والفضلات، ولهذا اشترطوا فيه قطع الحلقوم والودجين والمريء على اختلاف بينهم في تلك الشروط، وإن هذا لتحكم في الطب والشرع بغير بينة، ولو كان الأمر كما قالوا لما أحل الصيد الذي يأتي به الجارح ميتا وصيد السهم والمعراض إذا خزق؛ لأن هذا الخزق لا يخرج الدم الكثير كما يخرجه الذبح، والصواب أن الذبح كان ولا يزال أسهل أنواع التذكية على أكثر الناس، فلذلك اختاروه وأقرهم الشرع عليه أنه ليس فيه من تعذيب الحيوان ما في غيره من أنواع القتل، كما أقرهم على صيد الجوارح والسهم والمعراض ونحو ذلك، وإني لأعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لو اطلع على طريقة للتذكية أسهل على الحيوان ولا ضرر فيها كالتذكية الكهربائية - إن صح هذا الوصف فيها- لفضلها على الذبح، لأن قاعدة شريعته أنه لا يحرم على الناس إلا ما فيه ضرر لأنفسهم أو لغيرهم من الأحياء، ومنه تعذيب الحيوان بالوقذ ونحوه، وأمور العادات في الأكل واللباس ليست مما يتعبد الله الناس تعبدا بإقرارهم عليه، وإنما تكون أحكام العبادة بنصوص من الشارع تدل عليها، ولا يعرف مراد الشارع وحكمته في مسألة من المسائل إلا بفهم كل ما ورد فيها بجملته، ولو كان إقرار الناس على شيء من العادات أو استئناف الشارع لها حجة على التعبد بها لوجب على المسلمين اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية أكله وشربه ونومه، بل هنالك ما هو أجدر بالوجود كالتزام صفة مسجده وحينئذ يحرم فرشه ووضع السرج والمصابيح فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>