للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرى أن العالمين الجليلين قد اشتطا كثيرا وأبعدا النجعة في هذه المسألة، وكفى بانعقاد الإجماع قبلهما على خلاف ما ذهبا إليه حجة ودليلا على شططهما، وقد علمنا من خلال استقرائنا لأدلة الشرع من نصوص الكتاب والسنة أن التذكية من الأمور التعبدية، وليست من الأمور العادية التي توكل إلى تجارب الناس وأذواقهم، فلا مقارنة بينها وبين اللباس وسائر الأمور الشكلية الموكولة إلى العادات، وكفى دليلا على ذلك أن الله تعالى قرن بين النحر والصلاة في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] ، وكذلك قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: ١٦٢] فإن النسك: الذبيحة في قولي أكثر المفسرين، وأمر بأكل ما ذكر اسم الله عليه في قوله: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٨] ، ونهى عن أكل ما لما يذكر اسمه عليه إذ قال: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] ، وأمر بذكره عند نحر البدن إذ قال: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: ٣٦] ، وحذر من أكل ما أهل به لغيره، كما في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة: ٣]

فإن قيل؛ ليس مطلق التذكية عبادة وإنما ينحصر ذلك فيما كان قربانا إلى الله كالهدي والأضاحي والنذور ونحوها.

<<  <  ج: ص:  >  >>