قلنا: هذا الحصر لا دليل عليه، بل الأدلة قائمة على خلافه، إذ لو أريد بالذبح مجرد زهوق الروح لما كان معنى لحصر الإباحة في ذبائح المسلمين وأهل الكتاب وحدهم دون المشركين، على أن المشرك قد يحسن الذبح كما يحسنه المسلم، ولم يحجر الدين على المسلم الانتفاع بما يعمله المشركون من الصناعات، فله أن يلبس مما ينسجون وأن يستعمل كل آلة مما يصنعون، كركوب السيارات والقطارات والطائرات، ولو كان ذلك في أسفار العبادات كالحج والعمرة والجهاد, ولا يمنع من الصلاة بالثوب الذي نسجه المشرك والإحرام فيه، ومع هذا كله يمنع منعا باتا من أكل ما يذبحونه، ولو استوفى ذبحهم جميع الشروط الشرعية الواجب توافرها في ذبيحة المسلم، ولو كان ذلك تحت إشراف المسلم نفسه.
وقد جاء النص القطعي بتحريم الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما أدركت ذكاته، مع أن كل ذلك حيوانات زهقت أرواحها لأسباب وقعت عليها، ولم تمت حتف أنفها، غير أنها شرعًا الحقت بما مات حتف أنفه في التحريم، فما الداعي لتحريمها لولا أنها لم يكن زهوق روحها بطريقة تعبدية خاطب الله بها العباد وألزمهم إياها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وليت شعري أي فارق بين أكيلة السبع التي حرمت بالنص وبين ما صادته الجوارح فمات في أثناء الصيد لولا اعتبارالجانب العبادي في الصيد وهو النية والتسمية؛ ومثلها النطيحة في ذلك.