ولئن قيل بأن الموقوذة إنما حرمت من أجل ما حل بها من التعذيب المنافي لما يأمر به الإسلام من الرفق بالحيوان. فالجواب: أن هذه الحرمة كانت جديرة بأن تكون خاصة بالواقذ دون غيره، على أن الوقذ قد يكون من متعد غير مالك للحيوان، فيَحرُم به على مالكه إن لم يدرك تذكيته، ولو كانت الحرمة من أجل التعذيب وحده لما كان معنى لإباحة الموقوذة إن ادركت ذكاتها، كما دل عليه الاستثناء في قوله تعالى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة: ٣] ، على أن هذه الحرمة لم تنحصر فيما وقع عليه الأثر بفعل فاعل مكلف، إذ حرمت كذلك المنخنقة والمتردية، وقد يكون الانخناق بفعل الدابة نفسها، بحيث تلتوي بحبلها على عنقها إلى أن تختنق أنفاسها، وقد تتردى نفسها من شاهق من غير أن يدفعها أحد، على أنها لو تردت فوقعت على آلة حادة أصابت مذبحها أو منحرها، فقطعت منها ما يقطعه الذابح أو الناحر لما حلت بذلك، ولما خرجت عن حكم الميتة، فما هو الفارق بين هذه الصورة وبين التذكية إلا فقدان عنصر العبادة فيها؟