للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يقول: "إنهم لم يجحدوا بالله إلى زمن طويل، ولم يجحدوا به كلهم، ولكن منهج التفكير الذي اختاروه والموقف الذي اتخذوه في البحث والنظر لم يكن ليتفق والدين الذي يقوم على الإيمان بالغيب وأساسه الوحي والنبوة ودعوته ولهجه بالحياة الآخروية، ولا شيء من ذلك يدخل تحت الحس والاختبار ويصدقه الوزن والعد والمساحة، فلم يزالوا يزدادون كل يوم شكًّا في العقائد الدينية، ولكن رجال النهضة الأوروبية ظلوا قرونا يجمعون بين النظر المادي الجاحد والحياة المادية والطقوس الدينية المسيحية بالتقليد أو بتأثير المحيط الذي لايزال في العالم النصراني أو بمصالح خلقية واجتماعية كانت تقتضي البقاء ولو بالاسم على نظام ديني يؤلف بين أفراد الأمة ويحفظها من الفوضى، حتى افتضحوا في الأخير وصعب الجمع بينهما بسرعة سير الحضارة المادية وتخلف الدين والتقاليد وعجزها عن مسايرتها وما في الجمع بينهما من متاعب وضياع للوقت، وتكلفهم لما هم في غنى عنه، فطرحوا الحشمة ورموا برقع النفاق، ونهض الكتاب والمؤلفون والأدباء والمعلمون والاجتماعيون والسياسيون في كل ناحية من نواحي أوروبا ينفخون صور المادية وينفثون بأقلامهم سمومها في عقل الجمهور وقلبه، ويفسرون الأخلاق تفسيرا ماديًا، تارة ينشرون الفلسفة النفعية، وطورًا فلسفة اللذة الأبيقورية (١)


(١) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص١٩٦، ١٩٧؛ ويراجع بتوسع المرجع نفسه، ص ١٩٤-٢١٢

<<  <  ج: ص:  >  >>