للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذكاة الاختيارية:

وقفنا قبل قليل على رأي الفقهاء في الذكاة الاضطرارية، ونقف الآن على الشروط التي ذكروها لصحة الذكاة الشرعية في حالة السعة والاختيار.

والشروط منها ما يتعلق بالذابح، ومنها ما يتعلق بآلة الذبح، أو محل الذبح من الحيوان، أو فعل الذابح وما يلزمه من ذكر عند الذبح.

شروط الذابح:

اشترط الفقهاء فيمن يتولى الذبح أن تتوفر فيه أهلية الذكاة الشرعية، والأهلية تتحقق بالعقل والدين.

أولا-العقل: وشرط العقل محل اتفاق عند جمهور الفقهاء، لأن الذكاة عبادة تفتقر إلى النية، ومن لا عقل له لا يصح منه القصد.

هذا ما صرح به الحنفية في كتبهم، قال الكاساني: "لا تؤكل ذبيحة المجنون والصبي الذي لا يعقل والسكران الذي لا يعقل، أما لو عقل الصبي الذبح وقدر عليه وكذلك السكران، فإن الحكم يختلف عندئذ، إذ تحل ذبيحتهما في هذه الحالة" (١) .

وهذه وجهة نظر المالكية (٢) ,وبه قال الحنابلة أيضا (٣) . ولفقهاء الشافعية قولان في المسألة: أحدهما يتفق مع وجهة نظر الجمهور هذه، مدللين على ذلك بما استدل به الجمهور من عدم توفر القصد من هؤلاء الذي هو شرط لصحة الذبح، فأشبه فعلهم النائم الذي سقطت من يده السكين على حلقوم شاة فقطعته، فإنها لا تحل، كذلك الأمر في فعل هؤلاء. (٤)

والقول الآخر وهو الأظهر عندهم، يقضي بحل ذبيحة هؤلاء الذين في تذكيتهم خلاف بحجة أن للمذكورين قصدا وإرادة في الجملة، بخلاف النائم فإنه معدوم القصد والإرادة، وقد شبهوا فعل المذكورين بالذي قطع حلق شاة ظانا أنه خشبة، فالشاة تحل في هذه الحالة، كذلك الحال بالنسبة لمن لا يعقل (٥) .

ومحل الخلاف بين الرأيين كما ذكر العلامة البغوي، هو إذا لم يكن للمجنون والسكران تمييز أصلا، أما إذا كان لهما أدنى تمييز، فإن ذبيحتهما تحل قطعاً.

والقول الأول هو الصحيح عند الإمام الغزالي وجماعة من فقهاء المذهب، في حين نسب القول الثاني لأبي حامد وأبي إسحاق الشيرازي , وقد حكى صاحب كفاية الأخيار عن بعض كتب المذهب القول بالحل. (٦)


(١) انظر بدائع الصنائع: ٥/ ٤٥
(٢) انظر الخرشي على مختصر سيدي خليل: ٣/٣، حيث قال معقبا على كلام سيدي خليل: (مميز بناكح) لا تؤكل ذبيحة المجنون والسكران حال إطباقهما ومثلهما الصبي غير المميز لعدم النية".
(٣) المغني، لابن قدامة: ٨/ ٥٨١
(٤) مغني المحتاج، للخطيب الشربيني: ٤/ ٢٦٧
(٥) مغني المحتاج، للخطيب الشربيني: ٤/ ٢٦٧
(٦) كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار: ١/ ٥٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>