للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمتأمل في رأي الحنفية ومن حذا حذوهم يرجح رأيهم على رأي الآخرين، لأنه كما قالوا: إن العبرة بدين الذابح لا بدين أبويه، بدليل أن الاعتبار في قبول الجزية هو دينه بغض النظر عن دين من انحدر من أصولهم, وكذا أخذا بعموم النص والقياس.

ذبائح نصارى بني تغلب:

مما أثاره فقهاء المسلمين في ذبائح أهل الكتاب، ذبائح طائفة منهم، وهم نصارى العرب من بني تغلب وغيرهم,

وقد اختلفت وجهات نظرهم في هذه المسألة على قولين:

ا- ذهب الشافعية إلى عدم حل ذبح نصارى العرب، وهم نجران وتنوخ وتغلب، مدللين على ذلك بالأدلة التالية:

أ- أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- نهى عن ذبح نصارى العرب.

ب- قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: "ليس نصارى العرب بأهل كتاب ولا تحل لنا ذبائحهم، ولا تحل لنا ذبائح بني تغلب؛ لأنهم لم يأخذوا من دين أهل الكتاب إلا شرب الخمر وأكل الخنزير" (١)

وإلى هذا ذهب الحنابلة في رواية عن الإمام أحمد (٢) ، وحكى ابن قدامة والكاساني ذلك عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (٣) وكره ذبائحهم أيضا عطاء وسعيد بن جبير ومحمد بن علي والنخعي من فقهاء التابعين. (٤)

٢- ذهب الحنفية إلى حل ذبائح نصارى بني تغلب وغيرهم (٥) وذلك لدخولهم في عموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥]

وحكى الكاساني ذلك عن ابن عباس، رضي الله عنهما (٦) ، حيث استدل بقوله عز شأنه: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: ٥١]

وإلى هذا ذهب الحنابلة في الرواية الصحيحة عن الإمام أحمد،رواها عنه الجماعة وكانت آخر الروايتين عنه (٧) .


(١) انظر كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار: ٢/ ٥٢٠
(٢) انظر المغني: ٨/ ٥١٧
(٣) المغني: ٨ / ٥١٧؛ البدائع: ٥ / ٥٤٥ فقد حكي عنه- رضي الله عنه- أنه قال: "لا تؤكل ذبائح نصارى العرب، لأنهم ليسوا بأهل كتاب ". وقرأ قوله عز وجل: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ} [البقرة: ٧٨] .
(٤) ابن قدامة في المصدر السابق أيضا.
(٥) البدائع، للكاساني: ٥/ ٤٥
(٦) البدائع، للكاساني: ٥/ ٤٥
(٧) المغني: ٨/٥١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>