للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين:

في ختام بحثنا للذبائح والطرق الشرعية للذكاة. أود أن أبين في ختام بحثنا هذا حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين على ضوء ما ذكرناه من آراء فقهية في هذا البحث.

فأقول وبالله التوفيق: لقد صدرت عن بعض العلماء المعاصرين فتاوى في حكم ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى في عصرنا هذا، منها ما يحظر ذبائح أهل الكتاب اليوم مطلقا، ومنها ما يحل ذبائحهم مطلقا، ومنها ما يحل ذبائحهم ضمن قيود وشروط، ومن هذه الفتاوى:

ا- فتوى الشيخ محمد رشيد رضا:

قال الشيخ محمد رشيد رضا في كتابه الفتاوى إجابة على سؤال من سنغافورة: "إن المسألة ليست من المسائل التعبدية، وأنه لا شيء من فروعها وجزئياتها يتعلق بروح الدين وجوهره إلا تحريم الإهلال بالذبيحة لغير الله تعالى، لأن هذا من عادات الوثنيين وشعائر المشركين، فحرم علينا أن نشايعهم عليه أو نشاركهم فيه.

ولما كان أهل الكتاب قد ابتدعوا وسرت إليهم عادات كثيرة من الوثنيين الذين دخلوا في دينهم لا سيما النصرانية، وأراد الله تعالى أن نجاملهم ولا نعاملهم معاملة المشركين، استثنى طعامهم فأباحه لنا بلا شرط ولا قيد.

كما أباح لنا التزوج منهم مع علمه بما هم عليه من نزعات الشرك التي صرح فيها بقوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: ١٨] على أنه حرم علينا التزوج بالمشركات بالنص الصريح، ولم يحرم علينا طعام المشركين بالنص الصريح ... " (١)

ثم يقول: "ولأجل كون حل طعام أهل الكتاب ورد مورد الاستثناء من المحرمات المذكورة بالتفصيل في سورة المائدة صرح بعض أئمة السلف بأن النصراني إذا ذبح لكنيسته فإن ذبيحته تؤكل، مع أن الإجماع على أن المسلم إذا ذبح وذكر اسم النبي أو الكعبة، فإن ذبيحته لا تؤكل " (٢)

ويختم فتواه بقوله: "إن الحكمة من إباحة طعام أهل الكتاب مجاملتهم ومحاسنتهم دون النظر إلى طريقة ذبحهم أو طبخهم ".

وقد سبق للأستاذ محمد رشيد رضا أن ذكر في تفسيره المنار أن قال:"إن المقصود بالتذكية إزهاق روح الحيوان دون تعذيبه، وتجوز بأية وسيلة تؤدي إلى ذلك، ولو كانت بالقتل الكهربائي دون الذبح وإنهار الدم ". (٣)


(١) فتاوى محمد رشيد رضا: ١/ ٣٥٢، جمعها وحققها الدكتور صلاح الدين المنجد ويوسف خوري، نقلا عن كتاب حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين للدكتور محمد عبد القادر أبو فارس، دار العدوي للطباعة والنشر- عمان، الأردن، ص ٦٤
(٢) فتاوى محمد رشيد رضا: ١/ ٣٥٣.
(٣) انظر تفسير المنار: ٦/ ١٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>