المقرر في معتبرات الكتب عند الحنفية أنه يجب على المسلمين وجوب كفاية أن يلتمسوا هلال رمضان وغيره في اليوم التاسع والعشرين من شهر السابق لأن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يومًا، فيجب عليه طلبه لإقامة الواجب، فإن رأوا الهلال ثبت الشهر الجديد، وصاموا إن كان رمضان، لقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وإن غُمَّ عليكم أكملوا عدة الشهر ثلاثين يومًا لقوله صلى الله عليه وسلم ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا)) ، ولأن الأصل بقاء الشهر وكماله، فلا يترك هذا الأصل إلا بيقين بناء على القاعدة الشرعية: لا يزول اليقين بالشك.
والمصرح به في كتبهم المتداولة أنه إذا كان بالسماء علة من غيم أو غبار يحجب الرؤية أن يقبل في تحقق رمضان خبر عدل أو مستور، ولو كان خبر العدل أو المستور على خبر مثله، ويستوي في ذلك أن يكون المخبر حرًا أو عبدًا ذكرًا أو أنثى، ولا يشترط العدد ولا لفظ الشهادة ولا تقدم الدعوى ولا حكم الحاكم ولا مجلس القضاء واستدلوا بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما:((أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبصرت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟ فقال: نعم، قال: قم يا بلال وأذن في الناس ليصوموا غدًا)) وفي رواية ((يكفي المسلمين أحدهم قم يا بلال)) إلخ.. وعللوا ذلك أيضًا بأن هذا ليس بشاهدة، بل هو إخبار، بدليل أن حكمه يلزم الشاهد وهو الصوم، وحكم الشهادة لا يلزم الشاهد، والإنسان لا يتهم في إيجاب شيء على نفسه، إلا أنه إخبار في أمر ديني ولذلك اشترطوا في المخبر الإسلام والعقل والبلوغ، وألا يكون ظاهر الفسق، لأن قول الفاسق في الأمور الدينة التي يتيسر تلقيها من العدول غير مقبول.
أما إذا لم يكن بالسماء علة فقد اختلفت كلمتهم في ذلك، ففي ظاهر الرواية لا يقبل خبر الواحد حتى يراه جمع كثير يقع العلم للقاضي بخبرهم والمراد من العلم غلبة الظن لا اليقين، وأمر القلة والكثرة مفوض إلى رأي المشهود عنده، لأن ذلك يختلف باختلاف الأوقات والأماكن.
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه تقبل في هذه الحالة أيضًا شهادة الواحد العدل، وفي رواية أخرى تقبل شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.
ووجه ظاهر الرواية أن خبر الواحد العدل إنما يقبل فيما لا يكذبه الظاهر وهنا الظاهر يكذبه حيث تفرد بالرؤية والسماء صحو، والكل متوجه إلى ما توجه إليه يقلب وجهه في السماء، وفيهم من هو أقوى منه إبصارًا وأَحَدُّ نظرًا، فكان ذلك مظنة غلطه، فلا يفيد خبره غلبة الظن، فلا يقبل لاحتمال الغلط والخطأ، كما حكي عن أنس بن مالك أنه تراءى الهلال مع جماعة فيهم إياس، فقال أنس: إني أرى الهلال، ولم يره أحد ممن كان معه، فتفطن إياس بذكائه ونظر إلى عين أنس، فوجد عليها شعره بيضاء قد نزلت من حاجبيه، فرفعها إياس بيده، وقال: أرني الهلال، قال: لا أنظر الآن.