أما هلال شوال فقد قالوا: إنه إذا كان بالسماء علة لا تقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، مسلمين حرين عاقلين بالغين غير محدودين في قذف، كما في الشهادة في الحقوق لما روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا:((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان، وكان لا يجيز الإفطار إلا بشهادة رجلين،)) ، ولأن هذا من باب الشهادة؛ لأنه لا يلزم الشاهد شيء بهذه الشهادة، بل له فيه نفع، وهو إسقاط الصوم عن نفسه، فكان متهمًا فيشترط فيه العدد نفيًا للتهمة بخلاف هلال رمضان، فيشترط في هلال الفطر نصاب الشهادة ولفظ: أشهد، ولا تقبل فيها شهادة محدود في قذف، ولكن لا يشترط فيه الدعوى؛ لأن مجيء الشهر لا يدخل تحت الحكم قصدًا.
وإذا لم تكن بالسماء علة فهو كهلال رمضان لا يقبل فيه إلا خبر جماعة يحصل بخبرهم غلبة الظن، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه تقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين سواء كان بالسماء علة أو كانت صحوًا.
أما هلال ذي الحجة ففي ظاهر الرواية أنه كهلال الفطر في حالتي الصحو والغيم، لأنه تعلق به نفع العباد وهو التوسع بلحوم الأضاحي، وقال ابن الهمام نقلًا عن التحفة: والصحيح أنه يقبل فيها بشهادة الواحد لأن هذا من باب الخبر، فإنه يلزم المخبر أولًا ثم يتعدى منه إلى غيره، لأنه يتعلق به أمر ديني، وهو وجوب الأضحية، وحرمة صوم يوم النحر، وأيام التشريق، فصار كهلال رمضان في تعلق حق الله به، فيقبل في حالة الغيم الواحد العدل، ولا يقبل في حالة الصحو إلا ما يحصل به غلبة الظن.
أما بقية الشهور التسعة فلم يتعرض المتقدمون لها، لأن الشارع لم يجعل مجيء شهر منها وقتًا لعبادة مفروضة أو لحرمة شيء خاص، وإنما تعرض لها بعض المتأخرين، فقد قال صاحب البحر في شرح الكنز: وذكر الإمام الأسبيجابي شرح مختصر الطحاوي الكبير:
وأما هلال الفطر والأضحى وغيرهما من الأهلة، فإنه لا يقبل فيها إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين عدول أحرار غير محدودين في قذف.