قال المرحوم الشيخ محمد بخيت المطيعي في كتابه إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة ص ٩٩: وما قاله صاحب البحر فهو في غير موقعه كما قال المرجاني في ناطورة الحق وقال فيها: ومن الجائز أن يكون المراد منه أي من كلام الأسبيجانبي أن هذه الأهلة (ما عدا رمضان) لا تثبت بدون شهادة شاهدين في حكم متعلق بها من حقوق العباد، من تعليق طلاق وعتاق وغير ذلك، وإلا كان معارضًا لعموم ما في الوقاية وغيرها، من قولهم: يقبل بلا دعوى ولفظ: أشهد، للصوم مع غيم خبر فرد بشرط أنه عدل، لأن جميع الأهلة في هذا كالصوم البتة ومخالفًا لاشتراط العدد في الفطر والأضحى في ظاهر الرواية لتعلق حق العباد، وعدم اشتراطه في الصوم والأضحى على رواية النوادر، لكونه من أمور الدين" اهـ يعني أنهم لم يشترطوا شيئًا آخر من الشروط التي ذكرها صاحب البحر سوى العدد في الفطر والأضحى على ظاهر الرواية، ولم يشترطوا العدد في الصوم والأضحى في رواية النوادر، فكان الخلاف في اشتراط العدد وعدمه فقط، ولم يوجد منهم ما يفيد اشتراط ما عداه من الذكورة والحرية وعدم الحد في القذف وغير ذلك، بل المدار على العدالة فبعد اتفاقهم على اشتراط العدالة اختلفوا في اشتراط العدد وعدم اشتراطه، هذا مراد المرجاني، وهو عين ما قلناه من قبل.
والذي قاله من قبل أنه لا يشترك في المخبر بثبوت الرؤية إلا أن يكون عدلًا، وأما اشتراط لفظ الشهادة والحرية وغيرهما من الشروط فهو من فهم المشايخ واستنباطاتهم، ثم قال: وقد اتفقوا أصولًا وفروعًا على أن خبر الواحد مقبول في الديانات، وأنه لا يشترط فيه سوى العدالة والبلوغ والعقل، واتفقوا أيضًا على المشهور أن الشهادة رؤية رمضان من باب الخبر لا فرق فيها بين حال الصحو وحال الغيم، ولا شك في أن المعنى الذي من أجله صارت الشهادة من قبيل الرواية لا فرق فيه بين حال الصحو في رمضان وحال الغيم، فإن الصوم يلزم الشاهد كما يلزم غيره في الحالتين، وقد اتفقت كلمتهم على أن هلال الفطر في حال الصحو كهلال الصوم في حال الصحو ففي حال الغيم بالأولى، ثم قال: وقد تقدم أن القهستاني قال في جامع الرموز، والظاهر من العمادية: إن الصوم والفطر مع الغيم وبلا غيم يستويان في تلك الشروط.
ثم قال: وكيف لا يكون الحكم كما قلنا، وقد اتفق علماؤنا على أن التماس هلال رمضان فرض كفاية؟ وأنه يجب على العدل إذا رأى الهلال أن يرفع الأمر إلى القاضي ويشهد بما رأى، ولو كان العدل امرأة مخدرة ذات زوج وجب عليها أن تخرج بغير إذن زوجها، ولو كانت أمة وجب أن تخرج بغير إذن سيدها في ليلة الرؤية، مخافة أن يصبح الناس مفطرين، فقد عللوا التماس الهلال كتحمل الأحاديث التي هي أدلة الأحكام الشريعة، ففي أنه فرض كفاية وأداء الشهادة برؤية هلال رمضان كتبليغ تلك الأحاديث بطريق روايتها، فلم تبق شبهة في أنه لا خلاف بين أئمتنا في قبول خبر الواحد العدل في رؤية هلال رمضان، سواء كان بالسماء علة أو لم تكن بها علة، متى لم يكن تفرده دليل الغلط أو الكذب، وأن هلال ذي الحجة كهلال رمضان عند أصحابنا خلافًا للكرخي، وأن هلال ذي الحجة كهلال رمضان أيضًا على رواية الطحاوي، وهي التي يساعدها الدليل وقد صححوها صريحًا.