للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن اشتراط العدد في حال التفرد الذي لم يكن مظنة الغلط لرؤية هلال شوال إنما هو على رواية أخرى هي ظاهر الرواية أيضًا، وقد مشي عليها جميع المتون.

ثم قال في صفحة ٩٤: والحاصل أن رؤية هلال رمضان ورؤية هلال شوال ورؤية هلال ذي الحجة سواء كان بالمساء علة أو لم يكن بها علة كل منها يتعلق به أمر ديني، فهلال رمضان يتعلق به وجوب الصوم وحرمة الفطر بلا عذر يبيحه في نهار الشهر كله، وهلال الفطر يتعلق به حرمة الصوم ووجوب صلاة العيد، ووجوب زكاة الفطر في أول يوم من شوال، وهلال ذي الحجة يتعلق به حرمة الصوم في اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ودخول وقت الحج ووجوب الأضحية وتكبير التشريف، وغير ذلك من الأحكام الدينية المحضة، فكل من الشهادة برؤية الأهلة الثلاثة من باب الأخبار الدينية فهي شبيهة بالرواية ولا يمكن أن واحدًا منها يدخل تحت الحكم ويكون حقًا من حقوق العباد ويكون فيه إلزام محض.. إلى أن قال: "وأما قول من قال بدخول العبادات تحت الحكم، فإن كان مراده بالحكم الأمر بها فلا إشكال، وإن كان مراده بالحكم القضاء والإلزام المحض الذي يستدعي مقضيًا له ومقضيًا عليه، فيجب أن يحمل قوله على ما إذا تعلق بها حق العبد وكان المقصود منها إثباته، كما لو علق عتق عبده أو طلاق امرأته بوجوب صلاة الجمعة عليه أو بصحتها أو بفسادها، وأما أن شيئًا من العبادات والديانات المحضة يدخل تحت الحكم بمعنى القضاء والإلزام المحضي مجردًا عن حق العبد فلا قائل به أصلًا لأنه لا يتصور لا عقلًا ولا شرعًا كما هو مفصل في الأصول والفروع، فيتعين أن يحمل قول من قال باشتراط شروط الشهادة في هلال رمضان أو هلال شوال أو هلال ذي الحجة على ما إذا تعلق به حق العبد وكان ثبوته في ضمن حق من حقوق العباد بلا فرق في ذلك بين هلال وهلال".

وفي ص ٩١ قال: "وإنما كان مجيء الأشهر لا يدخل تحت القضاء بلا فرق بين مجيء رمضان وشوال وغيرهما، لأن مجيء كل واحد منها له علامة محسوسة هي هلاله الذي يشاهد في أول ليلة منه، ولأن شيئًا منها لم يكن حقًا فمن حقوق الله أصلًا ولا من حقوق العباد بوجه من الوجوه، ولا يمكن أن يوجد فيها لذاتها خصومة لأحد بوجه من الوجوه الشرعية".

وفي ص ١٩٨: "وما يدل على صحة ما قلناه من عدم الفرق بين شهر وشهر فما قدمناه في هلال رمضان وشوال وذي الحجة، فإنه لا فرق بين مجيء هذه الأشهر الثلاثة وبين مجيء كل شهر من الأشهر التسعة الباقية إذا اشتمل على عبادة محضة، وصار وقتًا شرعًا لها بنذر ونحوه، كما لا فرق بين مجيء أي شهر حينئذ وبين دخول أوقات الصلوات الخمس وخروجها، فإن الجميع مبني على علامات ظاهرة مشاهدة يستوي في معرفتها كافة الخلق من بني آدم لا فرق بين خواصهم وعوامهم، ولذلك أناط الشارع التكليف المؤقتة بهذه العلامات الظاهرة للجميع أيضًا ومن ذلك يتضح لك جليًا أن مجيء الأشهر القمرية التي عليها مدار الأحكام الشرعية مما لا يدخل تحت الحكم والقضاء لأن مجيئها ومضيها من الحوادث الكونية التي يشاهد العلامات الدالة على حدوثها ومضيها العام والخاص، ولا دخل للخلق فيها بل هي تقدير العزيز العليم، فلا يمكن أن شيئًا منها يكون حقًا يدخل تحت الحكم ويفصل القضاء فيه فهي كمجيء الليل بغروب الشمس، ومجيء النهار بشروقها، فكما لا يمكن عقلًا ولا شرعًا أن يدخل مجيء الليل ومجيء النهار تحت القضاء لذاته، لا يمكن أن يدخل مجيء أي شهر من الأشهر لذاته تحت القضاء، لا فرق في ذلك بين شهر وشهر".

ثم قال في ١٢١: "وأيضًا قد علمت أن إثبات رؤية هلال رمضان وغيره من الأشهر ولو كانت السماء مصحية لا يتوقف على خبر الجمع العظيم، وإنما المدار في الإثبات على الخبر الذي يفيد غلبة الظن، ولو كان ذلك الخبر خبر واحد عدل، إذا لم يكن تفرده مظنة الغلط أو الكذب، لأن غلبة الظن حجة بالإجماع في مثل هذا الحكم العلمي، وأن الذي شرط الجمع العظيم من أئمتنا أراد العدد الذي يفيد خبره العلم الشامل لغلبة الظن فإن المخبر إذا انفرد وكان تفرده مظنة الغلط أو الكذب فخبره لا يفيد ظنًا فضلًا عن غلبة الظن، ثم قال: وأن الصحيح أنه لا فرق بين هلال رمضان وهلال شوال وهلال ذي الحجة في قبول شهادة الواحد العدل في حالة الغيم وكذا في حالة الصحو إذا لم يكن تفرده مظنة الغلط والكذب، وكذا بقية الأشهر التسعة إذا اشتملت على ما هو عبادة محضة، ولعله أراد أنه لم يقصد بإثباتها إثبات حق من حقوق العباد التي لا بد فيها من القضاء أو الإلزام.

<<  <  ج: ص:  >  >>