وإذا فالمعنى، من أدرك رمضان وعلم بثبوته وهو أهل التكليف وجب عليه الصوم، وأيضًا يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم:((صوموا لرؤيته)) صوموا إذا رئي الهلال، حيث جاء الخطاب فيه عامًا للمكلفين ولم يذكر فاعل الرؤية مما يدل على أنه يكتفي برؤية البعض وهذا فعله النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمر الناس بالصيام لرؤية الأعرابي وكذلك لرؤية ابن عمر.
وكان من موجبات الإجماع على الاكتفاء برؤية البعض ألا يقع خلاف في اعتبار اختلاف مطالع القمر وعدم اعتباره، لكن اتساع الرقعة الإسلامية وبُعْدَ ما بين دولها وعدم التمكن فيما سلف من تبليغ المسلمين في الأقطار المتباعدة بثبوت الهلال، جعل بعض العلماء يفهمون الآية والحديث متأثرين بقوله {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} على اعتبار أن لكل بلد رؤيته هو، لا يكلف برؤية بلد آخر يختلف مطلعه، كما أن لكل بلد شروقه وغروبه وصبحه ومساؤه وظهره وعصره، وسنقص عليك أقوالهم وحجة كل منهم، ونختتم ذلك ببيان الرأي الراجح الذي يستنده الدليل وتدعمه الحجة.
مذهب الحنفية:
ظاهرة مذهب الحنفية كما قال صاحب الدر المختار: إنه لا عبرة باختلاف المطالع فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب، وذلك لأن عموم الخطاب في قوله: صوموا معلق بمطلع الرؤية في قوله لرؤيته، وبرؤية قوم يصدق بهم اسم الرؤية فيثبت ما تعلق به عموم الحكم فيعم الوجوب بخلاف الزوال والغروب فإنه لم يثبت على عموم الوجوب بمطلق مسماه في خطاب من الشارع، وعلى هذا الرأي أكثر المشايخ وهو الذي عليه الفتوى، وقيل يعتبر اختلاف المطالع لأن السبب الشهر وانعقاده في حق قوم الرؤية لا يستلزم انعقاده في حق آخرين مع اختلاف المطالع، وهذا هو الذي اختاره الزيلعي حيث قال: والأشبه أن يعتبره؛ لأن كل قوم مخاطبون بما عندهم وانفصال الهلال عن شعاع الشمس يختلف باختلاف الأقطار، كما أن دخول الوقت وخروجه يختلف باختلاف الأقطار، حتى إذا زالت الشمس في المشرق لا يلزم منه أن تزول في المغرب، وكذا طلوع الفجر وغروب الشمس بل كلما تحركت الشمس درجة فتلك طلوع فجر لقوم وطلوع شمس لآخرين وغروب لقوم ونصف لليل لغيرهم، وحاصله قياس اختلاف مطالع القمر على اختلاف مطالع الشمس وسنين فيما بعد أن هذا قياس مع الفارق.