للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب الشافعية:

وكما اختلف الحنفية والمالكية في اعتبار اختلاف المطالع وعدم اعتبارها اختلف الشافعية، قال الإمام النووي: المسألة الثالثة إذا رأوا الهلال في رمضان في بلد ولم يروه في غيره، فإن تقارب البلدان فحكمها حكم بلد واحد بلا خلاف، وإن تباعدا فوجهان مشهوران أصحهما لا يجب الصوم على أهل البلاد الأخرى، والثاني: يجيب، والصحيح الأول، فيما يعتبر به البعد والقرب ثلاثة أوجه: أصحها أن التباعد باختلاف المطالع كالحجاز والعراق وخراسان، والتقارب لا يختلف كبغداد والكوفة والري وقزوين، والثاني: أن الاعتبار باتحاد الإقليم واختلافه فإن اتحد فمتقاربان وإلا فمتباعدان، والثالث: أن التباعد مسافة القصر والتقارب دونها، ثم قال: هذا الذي ذكرته هو المشهور للأصحاب في الطريقين، وانفرد الماوردي والسرخسي بطريقين آخرين، وبعد أن ذكرهما قال: فحصل في المسألة ستة وجوه:

أحدها: يلزم أهل الأرض برؤيته في موضع منها.

الثاني: يلزم أهل إقليم بلد الرؤية دون غيرهم.

الثالث: يلزم كل بلد يوافق بلد الرؤية في المطلع دون غيره، وهذا أصحها.

الرابع: يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض دون غيرهم.

الخامس: يلزم من دون مسافة القصر دون غيرهم.

السادس: لا يلزم غير بلد الرؤية.

قال تقي الدين بن السبكي في رسالته العلم المنشور في إثبات الشهور: والقول بأن لكل بلد رؤيته على إطلاقه ضعيف، روى سعيد بن منصور في مصنفه بسند صحيح إلى أبي عمير بن أنس قال: أخبرني عمومة لي من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: غم علينا هلال شوال فأصبحنا صياما فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا، ثم يخرجوا لعيدهم من الغد، وفي رواية: قدم أعرابيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان فشهدوا عنده بالله لإهلال الهلال بالأمس عشية، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا، واعتبار مسافة القصر في هذا المحل ضعيف، واعتبار كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم جيد، واعتبار الإقليم ضعيف، وألزم جميع البلاد إذا رئي في بلد ضعيف جدًا، لأن عمر بن الخطاب وسائر الخلفاء الراشدين لم ينقل أنهم كانوا إذا رأوا الهلال يكتبون إلى الآفاق، ولو كان لازمًا لهم لكتبوا إليهم لعنايتهم بأمور الدين لأنا نقطع بأنه قد يرى في بعض البلاد في وقت لا يمكن رؤيته في بلد آخر، كما أنا نقطع بأن الشمس تغرب في مكان قبل أن تغرب في غيره، وأجمع العلماء في أوقات الصلوات على أن المعتبر عند كل قوم فجرهم وزوالهم وغروبهم ولا يلزمهم حكم غيرهم، فكذلك الهلال بالقياس عليه، بأن الله لا يخاطب قومًا إلا بما يعرفونه مما هو عندهم وسنناقش هذه الحجج الثلاث في نهاية البحث إن شاء الله.

مذهب الحنابلة:

جاء في المغني والشرح الكبير ص ٧ جزء ثالث فصل: "وإذا رأى الهلال أهل البلد لزم جميع البلاد الصوم" وهذا قول الليث وبعض أصحاب الشافعي، وبعد أن ساق استدلال المخالفين بحديث كريب قال: ولنا قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي لما قال له: آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: ((نعم)) ، وأجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان، وقد ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان بشهادة الثقات، فوجب صومه على جميع المسلمين ولأن شهر رمضان من بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر الأحكام من حلول الدين ووقوع الطلاق والعتاق ووجوب النذر وغير ذلك من الأحكام فيجب صيامه بالنص وبالإجماع، ولأن البينة العادلة شهدت برؤية الهلال، فيجب الصوم كما لو تقاربت البلدان فأما حديث كريب فإنما يدل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده ونحن نقول به، وإنما محل الخلاف وجوب قضاء اليوم الأول، وليس هذا في الحديث اهـ.

وقد أجاب القاضي عن قول المخالف: "الهلال يجري مجرى طلوع الشمس وغروبها وقد ثبت أن لكل بلد حكم نفسه فيهما فكذا الهلال" بأن تكرر مراعاتها في ككل يوم تلحق به المشقة فتؤدي إلى قضاء العبادات، وهلال رمضان في السنة مرة واحدة فليس كبير مشقة في قضاء يوم، ودليل المسألة من الصوم يقتضي التسوية (يعني به جميع البلاد) .

<<  <  ج: ص:  >  >>