أن يجبروا كسر اليوم كلما زاد على نصف يوم فيصير المحرم ٣٠ يومًا وصفر ٢٩ وربيع الأول ٣٠ وكذا على التوالي، ويسمى بالسير الوسطي الاصطلاحي، ومن هؤلاء من يبني تقويمه على جداول قديمة ويجعل المحرم وربيع الأول ورجب ورمضان وذا القعدة ثلاثين يومًا باستمرار، ويجعل باقي الأشهر تسعة وعشرين يومًا أبدًا إلا في السنة الكبيسة فيجعل ذا الحجة ثلاثين يومًا قال السبكي: وعلم الحساب يقتضي لأجل الكسر الذي ذكرناه في عدة أيام السنة القمرية وتكميله تارة أن تكون الأشهر الكاملة في السنة ستة والناقصة مثلها، وتارة أن تكون الكاملة سبعة والناقصة خمسة، فلا تكون الناقصة أكثر من ستة ولا الكاملة أكثر من سبعة، هذا أمر مقطوع به في علم الهيئة وليس في الشعر ما يرده، ومن المقرر عند الفلكيين أن الشهر بالوضع الاجتماعي الحقيقي يتقدم الشهر بالوضع الهلالي (من الرؤية إلى الرؤية) بيوم على الأقل وبيومين على الأكثر.
وبعض علماء الفلك يبني تقويمه على حسابات الرصد، ولكنه يضم إلى ساعة الاجتماع ساعات يمكن أن يرى فيها الهلال اختلفوا في تقديرها، قال الشيخ طنطاوي جوهري: كذلك الحاسبون وإن اتفقوا تقريبا في زمن الاجتماع فهم يختلفون في تقدير الساعات التي تمر من حين الاجتماع إلى الرؤية من ٤ درجات إلى ١٢ درجة، وهي التي يقطعها القمر مبتعدًا عن الشمس صوب المشرق في نحو ٢٠ ساعة ونقل الشيخ محمد أبو العلا البنا عن الشيخ محمد بن جابر البناني أن القدماء -يعني اليونانيين قبل الإسلام- ما تكلموا في رؤية الهلال إلا بالقول المطلق، وهو أنه لا يمكن رؤيته لأقل من يوم وليلة، وعلق عليه بقوله: ومعلوم أن سبق القمر للشمس في ساعة يساوي نصف درجة تقريبًا وعليه فقول القدماء أن بين الاجتماع والهلال ٢٤ ساعة أو يومًا وليلة يساوي قول من قال بعدهم ١٢ ساعة، ثم نقل عن ابن سينا أن القمر لا يرى ألبته حتى يكون بينه وبين الشمس ١٢ درجة، وما كان دون ذلك لا يرى أو هو تحت شعاع الشمس فلا تلحقه الأبصار.
والخلاصة: أن الوضع الهلالي لا يسبق الوضع الاجتماعي بل إن الوضع الاجتماعي يتقدم على الهلالي بيوم أو بيومين إذ إن القمر بعد مفارقته الوضع الاجتماعي لا بد أن يسبق الشمس بمسافة يتحول فيها نوره إلى جهة الأرض، فيرى حرف منه بعد غروب الشمس وهو الهلال، وهذا السبق يقدر بنحو ١٢ درجة تقريبًا تحتاج إلى مضي نحو ٢٤ ساعة.
وأما العرب فكان بعضهم يعرفه برؤية الهلال نفسه، أو بمراقبة النجوم دون أن يعرف له أي حساب، وبعضهم كان يعرفه بالحساب الوسطي دون جبر الكسر فيكون الشهر ٢٩ يومًا وكسرًا دائمًا وبعضهم كان يجبر الكسر كما قدمنا، كما كانت هذه المعرفة تقريبية لا تحديدية عندهم جميعًا.