من المفيد قبل أن ننقل آراء أئمة الفقه الإسلامي في صحة الاعتماد على الحساب الفلكي وبيان الراجح منها، أن نبين أنواع الحساب الفلكي حتى نحرر محل النزاع، ونبين الحساب الذي هو مراد لمن قال بجواز الاعتماد على الحساب، ومما لا شك فيه أن الأشهر القمرية هي أجزاء السنة العربية القمرية التي تنقسم إليها دورة القمر باعتبار انتقالاته في منازله واجتماعه مع الشمس تارة ومفارقته لها تارة أخرى، فباعتبار انتقالاته في منازله تتغير أحواله ويختلف نوره زيادة ونقصًا ويجتمع مع الشمس ويفارقها اثنتي عشرة مرة، ليتكون منها اثنا عشر شهرًا قال تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} ويتم انتقال القمر في منازله ويقطع دورته في فلكه اثنتي عشرة مرة في السنة، فإذا اكتمل له اثنتا عشرة دورة اجتمع مع الشمس اثنتي عشرة مرة وتكونت السنة القمرية التي اعتبرها الشارع، وجعلها مدار الآجال الشرعية كتأجيل العنين وسن اليأس للنساء وغير ذلك، كما قال تعالى {وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} ولما كانت السنة القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسين يومًا وخمس يوم وسدس يوم، وعدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا، فقد انقسم الفلكيون في تقدير الشهر إلى ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى:
تجعل الأشهر من الوضع الاجتماعي للشمس والقمر إلى مثله، فإن القمر: يجتمع كما قلنا مع الشمس في كل شهر مرة فإذا فارقها فهو أول الشهر عندهم إلى أن ينتهي إلى مثل تلك الحالة، وقد يكون أثناء النهار، وقد يكون في أثناء الليل والشهر عند هؤلاء دائمًا تسع وعشرون وكسر نتيجة لقسمة عدد أيام السنة على ١٢، وهذا الطريق ألغاه الإسلام حيث قال الله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} .
ولقوله صلى الله عليه وسلم:((الشهر هكذا وهكذا وهكذا)) وعقد الإبهام في الثالثة، هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين، يعني أن الشهر تارة يكون ٢٩ يومًا وتارة يكون ٣٠ يومًا لا يخرج عن هذين الأمرين ((فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) فاعتبر الرؤية فقط، بدليل قوله في أول هذا الحديث ((إنا أمة لا نكتب ولا نحسب)) فناط الحكم الشرعي بأمر مشاهد يتفق فيه الخاصة والعامة وجعل ما بعد مفارقته الشمس إلى تمام تسع وعشرين إن رئي الهلال، أو إلى تمام ثلاثين إن لم ير من الشهر الأول، وسواء رأيناه ليلة الثلاثين أو أكملنا ثلاثين فأول الشهر غروب الشمس من إحدى ليلتين، قال السبكي: واستفيد ذلك من إشارته صلى الله عليه وسلم وقول الراوي عنه عشرًا وعشرًا وتسعًا، فإنه يقتضي دخول الليالي في حكم الأيام لأن حذف التاء يدخل على اعتبار الليالي وهي الأصل في التاريخ.