الأمر الثاني: فإن الإشارة أو التأكيد على القاعدة الفقهية والمهمة -وإن كان أشار إليها بعض المداخلين -وهي: أن الأصل فيما يذكى الحرمة حتى تثبت ذكاته بيقين. ولها أدلة واضحة الدلالة؟ كحديث عدي بن حاتم وغيره، ومقتضى هذه القاعدة أننا إن شككنا في توفر شروط الذكاة الشرعية من أهلية المذكي أو كون الذكاة على الوجه الشرعي، إذا شككنا في ذلك فنأخذ بالأصل وهو الحرمة ولا ننتقل عنه إلا بيقين. وهذه القاعدة هي العمدة في هذا الباب، وهي الفيصل في الموضوع, وقد يشكل على هذه القاعدة حديث عائشة - رضي الله عنها- ((سموا الله وكلوا)) . فيستدل بحديث عائشة على حل أكل ما جهل حاله، غير أنه إذا حمل حديث عائشة رضي الله عنها على ما كان في بلاد المسلمين؛ فهذا لا يشرع للإنسان أن يسأل عنه ولا أن يفتش بل يسمي الله ويأكل، أما اللحوم المستوردة من بلادٍ الغلبة فيها لغير المسلمين، أو يغلب على الظن أنها تذبح على غير الطريقة الإسلامية، فهذه يعمل بالقاعدة السابقة التي يقتضيها حديث عدي، وهو أن الأصل فيما يذكى الحرمة، جمعا بين حديث عائشة وحديث عدي، إذ المعروف أن العمل بالدليلين أولى من إهدار أحدهما.
بقي أن أشير إلى قضية وهي تتصل بالتسمية الجماعية لكن من جانب آخر، وهي ما استدل به بعض الباحثين من أن قول الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام: ١٢١] أنها تدل بظاهرها على أن كل حيوان يحتاج إلى تسمية مستقلة, الذي يبدو ويظهر أن الآية لا تدل على ذلك، لأن الآية دلت في منطوقها على عدم الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، ودلت في مفهومها على جواز الأكل مما ذكر اسم الله عليه، أي كلوا مما ذكر اسم الله عليه، فالمفهوم هنا، وهو من باب المطلق، والقاعدة الأصولية "أن المطلق يصدق بأي صورة كان " كما قرر ذلك علماء الأصول، فإن ذكر اسم الله عليه استقلالا فهو داخل، وإن ذكر اسم الله عليه مع غيره فهو داخل أيضا بدلالة ظاهر الآية, هذا ما أحببت أن أقوله، والله أعلم.