للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العنوان الثاني: إنكار المتقدمين للعمل بالحساب وحججهم:

فالمتمسكون بظاهرة الرؤية البصرية في إثبات أوائل الشهور لا يعتمدون الحساب لأنهم يعتقدون أن الحساب الفلكي ليس وسيلة قطعية بل هو لم يصل عندهم حتى إلى مرتبة الظن فهو حدس وتخمين، وقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم، ولهذا حذر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأخذ بأحكام المنجم فقال فيه فيما رواه أبو داود وابن ماجه ((من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر)) ولأجل هذا نجد كثيرًا من المتقدمين في علم الفقه ينصون صراحة على عدم اعتماد حساب المنجمين.

أولًا: لأن التفرقة عندهم لم تكن واضحة بين التنجيم الذي هو ليس بعلم إذ هو تطلع إلى الغيب وبين علم الفلك الذي هو من العلوم الصحيحة التي لا يختلف في قواعدها العامة لا سيما وأن عالم الفلك في القديم كان في الغالب المنجم المتطلع إلى معرفة الغيب، ومن هذا الخلط شك الفقهاء في الحساب الفلكي الذي كان في الغالب صادرا عن المنجمين.

ثانيًا: لأن علم الفلك لم يصل في القرون الإسلامية الأولى إلى درجة النضج ولم تتضح معالمه عند الناس حتى يمكن الاعتماد عليه في هذه القضايا الدينية.

ففي الفتاوى الهندية: "وهل يرجع إلى قول أهل الخبرة العدل من يعرف علم النجوم؟ الصحيح أنه لا يقبل، ويقول في كتاب معراج الدراية: "ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه" وقال ابن عرفة: "لا أعلم أن مالكًا اعتبر قول المنجم" وقال القاضي عبد الوهاب في كتابه الأشراف: "لا عبرة بقول المنجمين في دخول وقت الصوم". وفي الجزء الثاني من الدر المختار شرح تنوير الأبصار في باب الصوم قال الشيخ محمد علاء الدين الحصكفي: "لا عبرة بقول الموقتين ولو كانوا عدولًا على المذهب".

وقال ابن عابدين في حاشيته رد المحتار على الدر المختار في شرح قوله: ولا عبرة بقول الموقتين: "أي في وجوب الصوم على الناس، بل في المعراج لا يعتبر قولهم بالإجماع ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه" وفي النهر: فلا يلزم بقول الموقتين أنه - أي الهلال - يكون في المساء ليلة كذا وإن كانوا عدولًا في الصحيح كما في الإيضاح، ثم قال: ووجه ما قلناه أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية بقول: ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا)) ولهذا حصر الشيخ شمس الدين بن فرج المقدسي في شرحه الكبير على المغني ثبوت رمضان بواحد من ثلاثة أشياء فقط وكلها ترجع إلى الرؤية البصرية فجعل أولها رؤية الهلال، والثاني: إكمال شعبان ثلاثين يومًا، والثالث: أن يحول دون منظر الليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر.

<<  <  ج: ص:  >  >>