للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادسًا - الدبر:

تناول الفقهاء حكم إدخال شيء في دبر الصائم، وخاصة " الحقنة الشرجية " فعند جمهورهم أن استعمالها يفطر الصائم، لأنه أدخل مائعا إلى جوفه باختياره، وهم يستندون إلى ما رواه البيهقي من أن ((الفطر مما دخل)) (١) ، وقياسًا على ما يصل إلى الدماغ، مثل ما ورد في حديث لقيط بن صبرة المتقدم، ولأن ما في الحقنة من مائع دخل إلى الجوف من طريق معتادة، كما لو دخل من الفم أو الأنف. (٢) ، وذهب البعض إلى أن الحقنة الشرجية لا تفسد الصوم، وهو رأي ابن تيمية (٣) وابن حزم (٤) ، لأنها لا تغذي بوجه من الوجوه، بل تستفرغ ما في البدن، كما لو شم شيئًا من المسهلات، كما أنها لا تصل إلى المعدة.

وعلى هذا الأساس تنوعت الفتاوى المعاصرة - فيما يتعلق بحكم استعمال الصائم الحقنة الشرجية - إلى ثلاثة اتجاهات:

١ - يرى الاتجاه الأول أن الحقنة الشرجية تفسد الصوم، سواء كانت للتداوي أو للتغذي أو لغير ذلك؛ لأنها تدخل من منفذ طبيعي، وتصل إلى الجوف. (٥)

٢ - ويرى اتجاه آخر أن الحقنة الشرجية لا تبطل الصوم مطلقا؛ لأنها لا تصل إلى المعدة. (٦)

٣ - أما الاتجاه الثالث فإنه يميز بين الحقنة الشرجية التي تدخل مادة غذائية في الجسم، ويعتبرها مفسدة للصوم، وبين الحقنة الشرجية التي تحمل مادة ملينة للأمعاء، كالماء والصابون أو الأشياح، وهذه لا تفسد الصوم، لأنها قد لا تمتص، والهدف منها إخراج الفضلات من الجسم. (٧) ونشير إلى أمرين ينبغي الالتفات إليهما قبل الفتوى في موضوع الحقن الشرجية:

١ - أن امتصاص المواد المهضومة، يعني عملية مرور المواد الغذائية البسيطة التركيب الناتجة من الهضم، خلال بطانة القناة الهضمية إلى الدم، وليس للمعدة وظيفة تذكر في عملية الامتصاص، إنما يحدث معظم الامتصاص في الأمعاء الدقيقة، أما الأمعاء الغليظة فإنها تمتص الماء وقليلا من الأملاح والغلوكوز، وقد تمتص الأدوية المختلفة. (٨) (انظر شكل ٧)

٢ - من الطرق المتبعة في تغذية المريض إعطاؤه مواد غذائية مهضومة جزئيًّا عن طريق الشرج، ولو أن القدرة على امتصاصها تكون ضعيفة جدًا؛ لأن دور القولون الأساسي هو الإطراح وليس الامتصاص. (٩)


(١) البيهقي، السنن الكبرى: ٤/ ٢٦١
(٢) ابن الهمام، فتح القدير: ٢/ ٣٤٧؛ الشيرازي، المهذب: ١/ ١٨٢؛ ابن قدامة المغني: ٣/ ١٠٥
(٣) ابن تيمية، حقيقة الصيام، ص ٥٥
(٤) ابن حزم، المحلى: ٦/ ٣٠٠ - ٣٥١
(٥) أبو سريع عبد الهادي، أحكام الصوم والاعتكاف، ص ٨٢؛ حسن أيوب، فقه العبادات، ص ٢٣٧؛ محمد حسن هيتو، فقه الصيام؛ ص ٨١؛ حسنين مخلوف، فتاوى شرعية، ص ٢٦٨ وما بعدها.
(٦) رفعت فوزي، الصوم، ص ٨١؛ القرضاوي، تيسير الفقه، ص ٩٤؛ عبد اللطيف الفرفور، الصيام على المذاهب الأربعة، ص ١٦٢؛ محمود شلتوت، يسألون، ص ١٣٢؛ مجلة الأزهر، رمضان ١٤٠٧هـ، ص ١٢٣٨
(٧) محمد رشيد رضا، نقلا عن: رفعت فوزي، ص ٨١؛ فضل حسن عباس، التبيان والإتحاف، ص ١١٢؛ محمد عقلة، الصيام، ص ٢٠٧
(٨) محمود البرعي وهانى البرعي، تشريح ووظائف جسم الإنسان، ص ١٠٥
(٩) هـ. م. شيلتون، التداوي بالصوم، ص ١٥٧

<<  <  ج: ص:  >  >>