للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن نستعين الله ونقدم بين يدي رأينا عدة أمور:

١ - يوجد في كل عضو من الأعضاء وداخل كل خلية من خلايا الجسم المدخرات الخاصة بها من الغذاء والفيتامين والمعادن، تعتمد عليها أثناء الصوم، ولهذا فإن الذي يتوقف أثناء فترة الصوم إنما هو عمليات الهضم، وليس عمليات التغذية، ولقد كتب أحد المختصين قائلا: إنه حين لا يكون هناك عمل هضمي ينشغل به الجسم، فإن هذا الجسم يستخدم الوقت المخصص للهضم في عملية تنظيف وتطهير عام، أي أن الصوم يدرب الجسم على استعمال مدخراته بشكل اقتصادي إلى حد بعيد. (١)

٢ - هناك فرق بين " الجوع " و " شهوة البطن ": فالجوع الحقيقي هو الحاجة الملحة للغذاء، ومن مظاهره تقلصات المعدة والشعور بالضعف، وقد يسبب آلامًا في الرأس، ويرافق ذلك سيلان اللعاب لدى مشاهدة الأطعمة، وهذه كلها تظاهرة فيزيولوجية لمتطلبات غذائية للجسم، أما شهوة البطن أو ما يطلق عليه " الجوع الاعتيادي " فإنها عبارة عن مسألة عادة، أي التعبير عن عادة تناول الطعام في ساعات معينة، ولا علاقة لها بالجوع الطبيعي. (٢)

٣ - ذكرنا فيما سبق أن عملية الامتصاص هي مرور المواد الغذائية البسيطة التركيب الناتجة من الهضم خلال بطانة القناة الهضمية إلى الدم، وليس للمعدة وظيفة تذكر في عملية الامتصاص، وإنما يحدث معظم الامتصاص في الأمعاء الدقيقة، وتمتص الأمعاء الغليظة الماء وقليلا من الأملاح والغلوكوز، ثم تنتقل نواتج المواد الغذائية بعد امتصاصها من القناة الهضمية بواسطة الدم إلى أنسجة الجسم المختلفة التي تقوم بدورها في عملية التمثيل الغذائي. (٣)

ومجمل القول: أن الدم هو الذي يحمل المواد الغذائية المهضومة من الأمعاء وينقلها إلى خلايا الجسم، لإمدادها بالمواد اللازمة لها، وتعرف الأوعية التي تخرج من القلب بالشرايين، بينما تعرف الأوعية التي تعود بالدم إلى القلب بالأوردة. (شكل ٩)

٤ - اعتمد كثير من الفقهاء والمحدثين - منهم ابن تيمية - المعنى المادي الظاهر للحديث الشريف: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)) فضيقوا مجاريه بالجوع بالصوم "، وتابعهم على ذلك عدد من العلماء المعاصرين (٤)

وبعد ذلك نرى:

أولا: أن الإبر التي توصل أدوية أو مواد مغذية أو مقوية، وتدخلها إلى بدن الصائم عن غير طريق الأوردة والشرايين (كالاحتقان في العضدين أو الفخذين أو رأس الأليتين أو ما شابه ذلك) لا تفسد الصيام، لأنها تصل إلى البدن عن طريق المسام، مثلها في ذلك مثل الاغتسال بالماء البارد، فعلى الأصول المعتمدة في سائر المذاهب الفقهية لا أثر لها على صحة الصوم، وقد نص بعضهم على أن الصائم لو أوصل الدواء إلى داخل لحم الساق، أو غرز فيه سكينا أو غيرها، فوصلت مخه لم يفطر بلا خلاف، لأنه لا يعد عضوا مجوفا. (٥)

وثانيا: أن الإبر التي توصل أدوية أو أغذية أو مقويات إلى الدم مباشرة عن طريق الأوردة أو الشرايين، تفسد الصوم، لأنها صارت منفذا - عرفًا - لإمداد الجسم بالغليكوز والصوديوم وأنواع الأحماض المختلفة، مما يؤدي إلى اكتفاء البدن واستغنائه عن المواد المألوفة من أنواع الطعام والشراب، يضاف إلى ذلك أن السوائل التي تصل إلى الأوردة والشرايين توسع مجاري الدم، فتمكن للشيطان من ابن آدم، وقد أمرنا بتضييق هذه المجاري، وغني عن القول إن تناول الأغذية والمقويات عن طريق الدم يتنافى مع الحكمة من الصيام التي تتمثل في أنه حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع.


(١) هـ. م. شيلتون، التداوي بالصوم، ص ٢٥ - ٢٧
(٢) هـ. م شيلتون، التداوي بالصوم، ص ٩٩ - ١٠٠
(٣) محمود وهانئ البرعي التبيان والاتحاف ١٠٥-١٠٦
(٤) يوسف القرضاوي، تيسير الفقه في ضوء القرآن والسنة (فقه الصيام) ، ص ١٠٠
(٥) محمد حسن هيتو، فقه الصيام، ص ٨٢: نقلا عن الإمام النووي.

<<  <  ج: ص:  >  >>