للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يظهر لي من كل هذه الحجج والتعاليل التي اعتمدها المانعون للعمل بالحساب لا تكون دليلًا على أن الرؤية البصرية هي أمر تعبدي وذلك لأمرين اثنين.

أولًا: لأن الرؤية هي الوسيلة الممكنة في زمن البعثة لمعرفة بداية الشهور ونهايتها، والكتابة كانت قليلة نادرة كما صرحوا بذلك مرات في احتجاجاتهم، وأن الرصد الفلكي لم يصل إلى درجة من الوضوح والدقة حتى يصبح وسيلة لإثبات الحكم وكثيرًا ما وصفوا حساب المنجمين بأنه حدس وتخمين وكثير من العلماء اعتمدوا هذا التعليل لعدم العلم بالحساب.

ثانيًا: وأن الأمية التي وصف بها الرسول المسلمين هي وصف عارض لهم زمن البعثة لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة ونادرة كما قال ابن حجر: "وجاء الإسلام ليخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام والمعرفة ويزيل وصف الأمية عنهم".

ومعنى هذا أن الحساب إذا وصل إلى درجة من الوضوح والدقة، وأصبح علمًا من العلوم الصحيحة، وأصبحت الكتابة منتشرة في أغلب أنحاء العالم الإسلامي، فإنه يجوز الاعتماد على الرؤية، وإذا جاز أن يكون ضعف علم الحساب والهيئة في الماضي حجة لهم على عدم الاعتداء به فلا يجوز أن يكون حجة في العهد الحاضر على عدم اعتباره.

أما شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه يعتبر الأمية صفة للأمة الإسلامية قارة كالوسطية لا تنفك عنها بحال، فقال في نفس رسالة الصيام: "هذه الأحاديث المستفيضة المتلقاة بالقبول دلت على أمور: أحدها: فإن قوله: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) هو خبر تضمن نهيًا فإنه أخبر أن الأمة التي اتبعته هي الأمة الوسط أمية لا تكتب ولا تحسب ومن كتب أو حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم بل يكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين الذين هم هذه الأمة" (الصفحة ١٦٢ طبعة المغرب الجزء ٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>