للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقل عن البخاري قال: اعتللت بنيسابور علة خفيفة وذلك في شهر رمضان، فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي: أفطرت يا أبا عبد الله؟ فقلت: نعم. فقال: خشيت أن تضعف عن قبول الرخصة. قلت: حدثنا عيدان عن ابن المبارك عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: من أي المرض أُفطر؟ قال: من أي مرض كان كما قال الله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} .

قال البخاري: وهذا الحديث لم يكن عند إسحاق. (١)

ويرى الطبري أن المرض الذي أذن الله تعالى ذكره بالإفطار معه في شهر رمضان من كان الصوم جاهده جهدًا غير محتمل، فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر، وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمر، فإن لم يكن مأذونًا له في الإفطار فقد كلف عسرًا أو منع يسرًا، وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بخلقه بقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] ، وأما من كان الصوم غير جاهده، فهو بمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم فعليه أداء فرضه (٢)

وقال الشافعية: شرط إباحة الفطر للمريض العاجز عن الصوم أن يلحقه بالصوم مشقة يشق احتمالها، وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهرة، لم يجز له الفطر بلا خلاف عندنا، خلافًا لأهل الظاهر.

وقالوا: المرض المجوز للفطر إن كان مطبقًا فله ترك النية بالليل، وإن كان يحم وينقطع ووقت الحمّى لا يقدر على الصوم، وإذا لم تكن حمى يقدر عليه، فإن كان محمومًا وقت الشروع في الصوم فله ترك النية، وإلا فعليه أن ينوي من الليل، ثم إن عاد المرض واحتاج إلى الفطر أفطر. (٣) وعند الحنابلة، قالوا: المرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه، وقيل لأحمد: متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع. قيل: مثل الحمى؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى؟ قال: وحكي عن بعض السلف: أنه أباح الفطر بكل مرض حتى من وجع الأصبع والضرس لعموم الآية فيه , (٤) وهو ما ذكرناه عن ابن سيرين.

الرأي المختار: إذا كان المرض يشق معه الصوم على المريض أو يحتاج إلى تعاطي الدواء أثناء النهار فالفطر أولى، وإن كان غير ذلك فالصوم أفضل، المرد في ذلك إلى الطبيب المعالج الثقة.


(١) تفسير القرطبي: ٢/ ٢٧٧
(٢) تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ٢/ ١٥٠ والحلبي
(٣) المجموع: ٦/ ٢٥٨؛ وانظر الموسوعة الفقهية: ٢٨/ ٤٦، مادة (صوم) .
(٤) المغني: ٢/ ١٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>