تناول الفقهاء عددًا من المسائل التي تتصل بأمور العلاج التي كانت معروفة في زمنهم، وقد تباينت أنظارهم بشأنها؛ فمن قائل بأنها تتنافى وحكمة الصيام وأنها تؤثر على سلامة الصوم وصحته وهم الأكثر، ومن قائل: إنها غير جارحة للصوم وهم الأقل، وسنقف على تعليل كل فريق , ثم نستظهر آراء أئمتنا المعاصرين، ونسوق في هذا المقام النصوص الفقهية, قال الإمام النووي في شرحه للمهذب:
أما الأحكام فقال أصحابنا: أجمعت الأمة على تحريم الطعام والشراب على الصائم وهو مقصود الصوم، ودليله الآية الكريمة ويقصد قوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة: ١٨٧] ، والإجماع، وممن نقل الإجماع فيه ابن المنذر.
قال الرافعي: وضبط الأصحاب الداخل المفطر بالعين الواصلة من الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم.
قال: وفيه قيود:
منها: الباطن الواصل إليه، وفيما يعتبر به وجهان:
أحدهما: أنه ما يقع عليه اسم الجوف.
والثاني: يعتبر معه أن يكون فيه قوة تحيل الواصل إليه من دواء أو غذاء.
قال: والأول هو الموافق لتفريغ الأكثرين كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ويدل عليه أنهم جعلوا الحلق كالجوف في إبطال الصوم بوصول الواصل إليه.
وقال إمام الحرمين: إذا جاوز الشيء الحلقوم أفطر وعلى الوجهين جميعًا باطن الدماغ والبطن والأمعاء والمثانة مما يفطر الوصول إليه بلا خلاف، حتى لو كانت ببطنه أو برأسه مأمومة - وهي الآمة - فوضع عليها دواء فوصل إلى جوفه أو خريطة دماغه أفطر، وإن لم يصل باطن الأمعاء وباطن الخريطة، وسواء كان الدواء رطبًا أو يابسًا عندنا.
وحكى المتولي والرافعي وجهًا أن الوصول إلى المثانة لا يفطر، واختاره القاضي حسين وهو شاذ. (١)
وأما الحقنة فتفطر على المذطب وبه قطع المصنف والجمهور، وفيه وجه قاله القاضي حسين لا تفطر وهو شاذ، وإن كان منقاسًا فعلى المذهب قال أصحابنا: سواء كانت الحقنة قليلة أو كثيرة وسواء وصلت إلى المعدة أم لا فهي مفطرة بكل حال عندنا.