للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرجع هذا في نظري إلى تمسك بعض الفقهاء بأحد قولي الإمام أحمد ابن حنبل الذي يجيز في إثبات هلال رمضان قبول شاهد واحد وهو مشهور المذهب الحنبلي المستند إلى حديث ابن عباس الذي قال: ((جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ فقال: نعم، فقال: يا بلال، أذن في الناس فليصوموا غدًا)) مع أن المشهور في المذهب الحنفي أنه لا يقبل في هلال رمضان عند الصحو إلا الاستفاضة وقدرت بخمسين رجلًا على الأقل، وقد علل المغني اشتراط أبي حنيفة الاستفاضة بأنه لا يجوز أن ينظر الجماعة إلى مطلع الهلال وأبصارهم واحدة والموانع منتفية فيراه واحد فقط.

وقال ابن عابدين في تعليقه على قول الحصكفي: "جمع عظيم يقع به العلم الشرعي وهو غلبة الظن" لأنه العلم الموجب للعمل لا العلم بمعنى اليقين، ولذلك فلا يقبل خبر الواحد لأن التفرد من بين الجم الغفير بالرؤية مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه مع فرض عدم المانع وسلامة الأبصار وإن تفاوتت في الحدة ظاهر في غلطه (بحر) فإذا امتنع أبو حنيفة من قبول خبر الواحد في عصر التابعين وعد شهادته بانفراده برؤية الهلال غلطًا مع علمه بالنص اعتمده من أجاز قبول خبر الواحد فكيف يكون الحال في هذا الزمان الذي اشتهر بكثرة الكاذبين المدعين للرؤية الهلال؟

وكتب الفقيه مليئة بالحوادث التي صام فيها المسلمون وأفطروا تبعًا لشهادات كاذبة أو غالطة، وكم من مرة وفي هذه السنوات الأخيرة أعلن عن الصيام والإفطار بشهادة رؤية الهلال ثم لم ير الناس الهلال في الليلة الثانية وهذا يؤكد بطلان شهادتهم، هنا يجب أن نقف لنتساءل: لماذا نتمسك بآراء معينة أصبحت لا تحقق المصلحة المرجوة منها مع أننا سمعنا بحوادث كثيرة توقف فيها الفقهاء وأعادوا فيها النظر دفعًا لمفسدة وأصدروا أحكامهم الجديدة معللين ذلك فساد الزمان؟ والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه أشار إلى ضياع الأمانة وفقدان الأخلاق بقدر ابتعاد الناس عن القرون الأولى في الحديث الذي رواه الصحيحان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم يشهدون فلا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون فلا يوفون ويظهر فيهم السمن)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>