للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في المغني، لابن قد امة (١) : " والصوم المشروع هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وروي معنى ذلك عن عمر وابن عباس، وبه قال عطاء وعوام أهل العلم ". وتحت باب ما يفسد الصوم قال: " ومن أكل أو شرب أو احتجم أو استعط أو أدخل إلى جوفه شيئًا من أي موضع كان، أو قبل فأمنى أو أمدى أو كرر النظر فأنزل، أي ذلك فعل عامدًا وهو ذاكر لصومه فعليه القضاء بلا كفارة إذا كان صومًا واجبًا ". (٢)

وفيما ذكره اتفاق بين العلماء على بعضها، وخلاف شديد على بعضها الآخر. وذكر ابن قدامة الاتفاق والخلاف فقال:

" في هذه المسألة فصول (أحدها) : أنه يفطر بالأكل والشرب بالإجماع وبدلالة الكتاب والسنة. أما الكتاب فقول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} مدَّ الأكل والشرب إلى تبين الفجر، ثم أمر بالصيام عنهما. وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)) . وأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به، فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به. وقال الحسن بن صالح: لا يفطر بما ليس بطعام ولا شراب. وحكي عن ابن طلحة الأنصاري أنه كان يأكل البرد في الصوم ويقول: ليس بطعام ولا شراب. ولعل من يذهب إلى ذلك يحتج بأن الكتاب والسنة إنما حرما الأكل والشرب، فما عداهما فيبقى على أصل الإباحة. ولنا دلالة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب على العموم، فيدخل فيه محل النزاع. ولم يثبت عندنا ما نقل عن أبي طلحة، فلا يعد خلافًا ".

ثم تحدث عن الحجامة والخلاف حولها كما ذكر الأحاديث فيها.

وانتهى إلى أن الحجامة تسبب إفطار الحاجم والمحجوم، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) .

ثم ذكر الجوف فقال ما نصه: " يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه ونحو ذلك مما ينفذ إلى معدته إذا وصل باختياره، وكان مما يمكن التحرز منه، سواء وصل من الفم على العادة أو غير العادة كالوجور (٣) واللدود (٤) أو من الأنف كالسعوط (٥) أو ما يدخل من الأذن إلى الدماغ، أو ما يدخل من العين إلى الحلق كالكحل، أو ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة (المقصود الشرجية) ، أو ما يصل من مداواة الجائفة (٦) إلى جوفه، أو من دواء المأمومة (٧) إلى دماغه، فهذا كله يفطره لأنه واصل إلى جوفه باختياره فأشبه الأكل.


(١) المغني، لابن قدامة المقدسي، ومثله في الشرح الكبير: ٣/ ٣
(٢) المغني: ٣/ ٣٥
(٣) الوجور: ما يسقاه المريض من الدواء من وسط الفم.
(٤) اللدود: ما يسقاه الإنسان من الدواء من أحد جانبي الفم، أخذ من لديدي الوادي وهما جنباه. وقال الأصمعي: " اللدود ما سقي الإنسان في أحد شقي الفم ". وفي البخاري ومسلم عن عائشة قالت: (لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ) الحديث.
(٥) ما يتعاطاه الإنسان من الدواء أوغيره بواسطة الأنف.
(٦) الجائفة: الطعنة أو الجرح الذي وصل إلى جوف البطن، وهو المعروف بالغشاء البريتوني.
(٧) المأمومة: الإصابة أو الطعنة أو الجرح الذي يصل إلى أم الرأس وهي خريطة الدماغ، والمعروفة في الطب الحديث بالأم الجافة Dura mater وتجاوزتها إلى الأم الحنون من أغشية الدماغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>