للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي اعتقادي أنه يجب استبعاد التدخين من موضوع التداوي منذ البداية؛ لأن التدخين ليس دواء بل إنه الداء بعينه، ولا ينبغي أن ينطبق عليه أي حكم من أحكام المداواة والمفطرات.

وقال ابن حزم: " لا ينقض الصوم حقنة (١) ولا سعوط (نشوق) ولا تقطير في أذن أو في إحليل أو في أنف، ولا استنشاق وإن بلغ الحلق ولا مضمضة دخلت الحلق من غير تعمد، ولا كحل وإن بلغ إلى الحلق نهارًا أو ليلًا بعقاقير أو غيرها ولا غبار طحن، أو غربلة دقيق أو حناء أو عطر أو حنظل، أو أي شيء كان، ولا ذباب دخل الحلق بغلبة ... إلخ " (٢) واستدل ابن حزم لما ذهب إليه فقال: " إنما نهانا الله في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي , وما علمنا أكلًا ولا شرابًا يكون في دبر أو إحليل أو أذن أو عين أو أنف، أو من جرح في البطن أو الرأس، وما نهينا قط عن أن نوصل إلى الجوف بغير الأكل والشرب - ما لم يحرم علينا إيصاله ". (٣)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الكحل والحقنة والتقطير في الإحليل ووصول الدواء إلى الجوف عن طريق الجراحة ... إلخ: " الأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك، فإن الصيام من دين الإسلام الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثًا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مسندًا ولا مرسلًا علم أنه لم يذكر شيئًا من ذلك والله أعلم ". (٤)

وقد وافق هذا الرأي الشيخ (محمود شلتوت) فقال:

" وإذا كان من محظور الصوم الأكل والشرب - وحقيقتها دخول شيء من الحلق إلى المعدة، والمعدة هي محل الطعام والشراب من الإنسان - كان من المبطل للصوم ما دخل فيها بخصوصها، سواء أكان مغذيًا أم غير مغذ، ولا بد أن يكون من المنفذ المعتاد. ومن أجل هذا فما دخل في الجوف ولكن لم يصل إليها لا يفسد الصوم ". (٥)


(١) يعنون بها الحقنة الشرجية، إذ أن الحقن العِرْقِيَّة والجلدية لم تكن معروفة في عهدهم.
(٢) المحلى، لابن حزم: ٦/ ٣٠٠، ٣٠١
(٣) المحلى، لابن حزم: ٦/ ٣١٨
(٤) فقه الصيام، الدكتور يوسف القرضاوي.
(٥) الفتاوى، للشيخ محمود شلتوت، ص ١٣٦

<<  <  ج: ص:  >  >>